ثمَّ إنّ المحقّق الخراساني (رضي الله عنه) لمّا التفت إلى أنّ منع الرّجوع إلى المجتهد الانسداديّ بحجّة أنّه غير عالم بالحكم الشرعي يستلزم منع رجوع العامّي إلى المجتهد الانفتاحيّ فيما إذا انحصر مدركه في الاستنباط بالأُصول العقليّة ، قال مستشكلاً : «إن قلت : رجوعه إليه في موارد فقد الامارة المعتبرة عنده التي يكون المرجع فيها الأُصول العقلية ليس إلّا الرّجوع إلى الجاهل.
وأجاب ما هذا حاصله : إنّ رجوع العامّي إلى المجتهد في هذه الموارد إنّما هو لأجل تشخيص الصّغرى وهو عدم وجود أمارة في هذا المورد ، وأمّا الكبرى فيستقلّ عقل العامّي بها ، فمع فقد الأمارة المعتبرة تكون الوظيفة الفعليّة هي البراءة أو الاحتياط. (انتهى) (١).
يلاحظ عليه : إنّ ما ذكره أشبه بالمزاح ، إذ من المعلوم أنّ تشخيص الصغرى في موارد الشّبهات البدويّة أو أطراف العلم الإجماليّ من وظائف الفحول الذين كرّسوا حياتهم في تلك المباحث ، فأين للعاميّ تشخيص الصّغرى في تلك الموارد.
والعجب أنّ المحقّق الخوئيّ (رضي الله عنه) أيّد المذكور آنفاً بقوله : الرّجوع إلى المجتهد في موارد الأُصول العقلية ليس من جهة التقليد في الحكم الشرعيّ ، بل من جهة الرّجوع إليه في تشخيص موضوع حكم العقل ، حيث إنّه من أهل خبرة ذلك ، فيرجع العامّي إليه في تشخيص أنّ المورد الفلاني لم تقم فيه حجّة على التكليف المحتمل ، ولم يثبت فيه حكم شرعيّ واقعيّ أو ظاهريّ ، فيستقل عقله بما استقلّ به عقل المجتهد بعينه. ولو فرض أنّه لم يكن أهلاً لإدراك الأحكام العقليّة المستقلة ، لم يكن مانع من الرجوع في ذلك إلى أهل الخبرة أيضاً (٢) (انتهى المراد من كلامه رحمهالله).
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٢ / ٤٢٦.
(٢) مصباح الأُصول : ٣ / ٤٣٩.