وذلك كقول الناصح المشفق لأخيه : إذا لم تستطع على العمل الكثير فعليك بما في وسعك. فكأنّ الإمام (عليهالسلام) يقول : إذا فاتكم الرّجوع إلى هؤلاء الحكّام لأخذ حقوقكم لكونهم طواغيت ، فلا يفوتنّكم الرّجوع إلى عالم من شيعتي ، يعلم شيئاً من قضايانا.
الثاني : إنّ الرّواية ناظرة إلى القاضي الّذي اختاره الطرفان لفصل الخصومة أي قاضي التحكيم فلو دلّت على كفاية التجزّي فهو في خصوص مورد قاضي التّحكيم لا المنصوب ابتداءً ، وذلك إنّ قوله (عليهالسلام) «فإنّي قد جعلته قاضياً» متفرّع على قوله (عليهالسلام) : «فاجعلوه بينكم» وعليه فالاكتفاء بالتجزّي إنمّا هو في قاضي التحكيم دون المنصوب.
يلاحظ عليه : أنّ قوله (عليهالسلام) «فاجعلوه بينكم» ليس ناظراً إلى كونه قاضياً مجعولاً من قبل المتخاصمين حتّى تختصّ الرّواية به ، بل هو يهدف إلى معنى آخر ، وهو أنّ القاضي المنصوب من قبل السّلطة والدّولة ينفذ حكمه مطلقاً ، سواء رضي الطرفان بذلك أم لا ، بخلاف القاضي الشيعيّ الّذي يرجع إليه المتخاصمان ، فإنّ نفوذ حكمه مرهون برضا الطرفين به ، لا أنّ لرضائهما به مدخلية في الحكم والجعل.
وبعبارة أُخرى : أنّ الإمام (عليهالسلام) نصّب كلّ من يعلم شيئاً من قضاياهم (عليهمالسلام) للحكم والقضاء ، ولكن تحقّق الغاية رهن رضا الطرفين بحكمه وخضوعهما له ، بعد فرض عدم قوّة تقهر المتخاصمَين على القبول.