ويظهر من الغزالي أنّ مورد النزاع في التصويب والتخطئة هو الواقعة التي لا نصّ فيها ، وليس لله سبحانه فيها حكم معيّن بل الحكم يتبع الظنّ قال : وقد اختلف الناس فيها واختلفت الرواية عن الشافعيّ وأبي حنيفة ، وعلى الجملة قد ذهب قوم إلى أنّ كلّ مجتهد في الظنّيات مصيب ، وقال قوم المصيب واحد واختلف الفريقان جميعاً في أنّه هل في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معيّن لله تعالى هو مطلوب المجتهد ، فالّذي ذهب إليه محقّقو المصوّبة أنّه ليس في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معيّن يطلب بالظنّ بل الحكم يتبع الظنَّ وحُكماً لله تعالى على كلّ مجتهد ما غلب على ظنّه وهو المختار وإليه ذهب القاضي.
وذهب قوم من المصوبة إلى أنّ فيه حكماً معيّناً يتوجّه إليه الطّلب إذ لا بدّ للطلب من مطلوب ، لكن لم يكلّف المجتهد إصابته ، فلذلك كان مصيباً وإن أخطأ ذلك الحكم المعيّن الذي لم يؤمر بإصابته بمعنى أنّه أدّى ما كلّف فأصاب ما عليه (١).
وعلى ذلك فالمصوّبة على فرقتين ، فرقة تنكر وجود الحكم المشترك ، وفرقة تثبته ولكن تنكر الأمر بإصابته ، ولكن في عدّ الفرقة الثانية من المصوبة نوع خفاء ، فإنّ المخطّئة تقول بنفس المقالة لأنّ المفروض عدم وجود نصّ في الواقعة ، فمعه كيف يكون مأموراً بإصابته ، وعليه يصير الحكم الواقعي حينئذ حكماً إنشائيّاً (لا فعلياً).
وعلى كلّ تقدير : فإنّ فتوى المفتي على قول الفرقة الأُولى أشبه بالأحكام الأوّليّة الثانويّة عندنا إذ لله سبحانه في ذلك المجال حكم مشخص تابع للمصالح والمفاسد ، ولأجل ذلك تختلف الأحكام الأوّلية وجوباً وحرمة باختلاف
__________________
(١) الغزالي : المستصفى : ٢ / ٣٦٣.