ومن جانب إنّ النّاس مسلّطون على أموالهم يتقلّبون فيها كيفما شاءوا ، فإذا كان هناك تزاحم بين الحكمين الواقعيين ، كما في احتكار المحتكر أيّام الغلاء أو إجحاف أصحاب الحرف والصّنعة وغيرهم ، فللحاكم الإسلامي ـ حسب الولاية الإلهيّة ـ الإمعان والدّقة والاستشارة والمشورة في حلّ الأزمة الاجتماعية حتّى يتبيّن له أنّ المقام من صغريات أيّ حكم من الحكمين فلو لم تحلّ العقد بالوعظ والنصيحة ، فآخر الدّواء الكيّ ، أي : بفتح المخازن وبيع ما احتكر بقيمة عادلة وتسعير الأجناس وغير ذلك.
الرابع : لا شكّ أنّ الناس أحرار في تجاراتهم مع الشركات الداخلية والخارجية ، إلّا أنّ إجراء ذلك ، إن كان موجباً لخلل في النظام الاقتصاديّ أو ضعف في البنية الماليّة للمسلمين ، فللحاكم تقديم أهمّ الحكمين على الآخر حسب ما يرى من المصالح.
الخامس : لو رأى الحاكمُ أنّ بيع العنب إلى جماعة لا يستعملونه إلّا لصنع الخمر وتوزيعه بالخفاء أورث فساداً عند بعض أفراد المجتمع وانحلالاً في شخصيّتهم ، فله أن يمنع من بيع العنب إلى هؤلاء.
إلى غير ذلك من المواضع الكثيرة التي لا يمكن للفقيه المفتي أو الحاكم غضّ النّظر عن الظروف المحيطة به ، حتى يتضح له أنّ المجال مناسب لتقديم أي الحكمين على الآخر وتشخيص الصغرى كما لا يخفى.
هذا كلّه حول مدخلية الزمان والمكان في الاجتهاد في مجالس الإفتاء والحكم ، وأمّا سائر ما يرجع إلى ولاية الفقيه فنتركه إلى محلّه ، وليس المقصود في المقام إلّا أمراً واحداً وهو كونُ الزمان والمكان مؤثّرين في المقامين فقط.