أى : يخرج لكم من الأرض ، بسبب الماء الذي أنزله عليها من السماء «الزرع» الذي هو أصل أغذيتكم ، وعماد معاشكم ، كالقمح والشعير وغيرهما «والزيتون» الذي تستعملونه إداما في أغذيتكم «والنخيل والأعناب» اللذين فيهما الكثير من الفوائد ، ومن التلذذ عند أكل ثمارهما.
وأخرج لكم ـ أيضا ـ بسبب هذا الماء «من كل الثمرات» التي تشتهونها وتنتفعون بها ، والتي تختلف في أنواعها ، وفي مذاقها ، وفي روائحها ، وفي ألوانها ، مع أن الماء الذي سقيت به واحد ، والأرض التي نبتت فيها متجاورة.
ولا شك أن في هذا الإنبات بتلك الطريقة ، أكبر دليل على قدرة الله ـ تعالى ـ. لأنه لا يقدر على ذلك سواء ـ سبحانه ـ.
وأسند ـ سبحانه ـ الإنبات إليه فقال : «ينبت لكم به ...» ؛ لأنه الفاعل الحقيقي لهذا الإنبات والإخراج للزروع من الأرض : أما غيره ـ سبحانه ـ فيلقى الحب في الأرض ، ويرجو الثمار والإنبات منه ـ عزوجل ـ.
قال ـ تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ. لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (١).
وقال ـ سبحانه ـ : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢).
وقال ـ عزوجل ـ : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً ، فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ، ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (٣).
وختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) للحض على التفكر والتأمل في عظيم قدرته ـ سبحانه ـ حتى يصل المتأمل إلى إخلاص العبادة له ـ عزوجل.
أى : إن في ذلك المذكور ، من إنزال الماء من السماء ، وإنبات الزروع والثمار بسببه ، لآية
__________________
(١) سورة الواقعة الآيات ٦٣ ـ ٧٠.
(٢) سورة الرعد الآية ٤.
(٣) سورة النمل الآية ٦٠.