أى : تنزه وتقدس الله ـ عزوجل ـ عن أن يكون له بنات أو بنين ، فهو الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد.
والمراد بما يشتهونه في قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) الذكور من الأولاد.
أى : أن هؤلاء المشركين يجعلون لأصنامهم نصيبا مما رزقناهم ، ويجعلون لله ـ تعالى ـ البنات ، أما هم فيجعلون لأنفسهم الذكور ، ويختارونهم ليكونوا خلفاء لهم.
وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ، سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ. وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ، ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ ، إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (١).
ثم صور ـ سبحانه ـ حالتهم عند ما يبشرون بولادة الأنثى ، وحكى عاداتهم الجاهلية المنكرة فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ، يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ ..).
قال الآلوسى : قوله «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ..» أى : أخبر بولادتها. وأصل البشارة الإخبار بما يسر. لكن لما كانت ولادة الأنثى تسوؤهم حملت على مطلق الإخبار. وجوز أن يكون ذلك بشارة باعتبار الولادة ، بقطع النظر عن كونها أنثى ..» (٢).
وقوله «كظيم» من الكظم بمعنى الحبس. يقال : كظم فلان غيظه ، إذا حبسه وهو ممتلئ به وفعله من باب ضرب.
والمعنى : وإذا أخبر أحد هؤلاء الذين يجعلون لله البنات ، بولادة الأنثى دون الذكر ، صار وجهه مسودا كئيبا كأن عليه غبرة ، ترهقه قترة ـ أى تعلوه ظلمه وسواد ـ ، وصار جسده ممتلئا بالحزن المكتوم ، والغيظ المحبوس ، وأصبح يتوارى ويتخفى عن أعين الناس خجلا وحياء ، من أجل أن زوجته ولدت له أنثى ولم تلد له ذكرا.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) تصوير بليغ لموقف ذلك الشرك مما بشر به وهو ولادة الأنثى.
فالضمير المنصوب في قوله «أيمسكه ، ويدسه» يعود على المبشر به وهو الأنثى.
والهون بمعنى الهوان والذل.
__________________
(١) سورة الزخرف الآيتان ١٩ ، ٢٠.
(٢) تفسير الآلوسي ج ١٤ ص ١٦٩.