والمراد بالجهالة : الجهل والسفه اللذان يحملان صاحبهما على ارتكاب ما لا يليق بالعقلاء ، وليس المراد بها عدم العلم.
قال مجاهد : كل من عصى الله ـ تعالى ـ عمدا أو خطأ فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.
وقال ابن عطية : الجهالة هنا بمعنى تعدى الطور ، وركوب الرأس : لا ضد العلم.
ومنه ما جاء في الخبر : «اللهم إنى أعوذ بك من أن أجهل ، أو يجهل على».
ومنه قول الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلين (١) |
والمعنى : ثم إن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ ، لكثير الغفران والرحمة لأولئك الذين عملوا الأعمال السيئة ، بدافع الجهل والسفه والطيش وعدم تدبر العواقب ، ثم إنهم بعد ذلك تابوا توبة صادقة عن تلك الأعمال السيئة ، ولم يكتفوا بذلك بل أصلحوا من شأن أنفسهم ، حيث أوقفوها عند حدود الله ـ تعالى ـ وأجبروها على تنفيذ أوامره ، واجتناب نواهيه.
قال الآلوسى : والتقييد بالجهالة قيل : لبيان الواقع ، لأن كل من يعمل السوء لا يعمله إلا بجهالة.
وقال العسكري : ليس المعنى أنه ـ تعالى ـ يغفر لمن يعمل السوء بجهالة ، ولا يغفر لمن عمله بدون جهالة ، بل المراد أن جميع من تاب فهذه سبيله. وإنما خص من يعمل السوء بجهالة ، لأن أكثر من يأتى الذنوب يأتيها بقلة فكر في عاقبة الأمر ، أو عند غلبة الشهوة ، أو في جهالة الشباب : فذكر الأكثر على عادة العرب في مثل ذلك (٢).
واسم الإشارة في قوله : (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) يعود إلى الأعمال السيئة التي عملوها قبل التوبة والإصلاح. أى : ثم تابوا توبة صادقة من بعد أن عملوا ما عملوا من سيئات ، وأصلحوا نفوسهم فهيأوها للسير على الطريق المستقيم.
والضمير في قوله : (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) يعود إلى التوبة وما يصاحبها من فعل للطاعات ومن اجتناب للسيئات.
__________________
(١ ، ٢) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٢٤٩.