وعن مالك بن ربيعة الساعدي قال : بينما أنا جالس عند رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذ جاءه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، هل بقي على من بر أبوى شيء بعد موتهما أبر هما به؟ قال : «نعم : خصال أربع. الصلاة عليهما والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما ، فهو الذي بقي عليك بعد موتهما من برهما» (١).
وقال القرطبي : أمر الله ـ سبحانه ـ بعبادته وتوحيده ، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك. كما قرن شكرهما بشكره ، فقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).
وقال : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
وفي صحيح البخاري عن عبد الله قال : سألت النبي صلىاللهعليهوسلم : أى الأعمال أحب إلى الله ـ تعالى ـ؟. قال : «الصلاة على وقتها. قلت : ثم أى؟ قال : «بر الوالدين» ، قلت ثم أى : قال : الجهاد في سبيل الله» ...
ثم قال القرطبي ـ رحمهالله ـ : ومن عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما ، كما أن من برهما موافقتهما على أغراضهما. وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه. ما لم يكن ذلك الأمر معصية ، ولا يختص برهما بأن يكونا مسلمين ، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما.
ففي صحيح البخاري عن أسماء قالت : قدمت أمى وهي مشركة فاستفتيت النبي صلىاللهعليهوسلم فقلت : إن أمى قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ ـ أى وهي راغبة في برى وصلتي ، أو وهي راغبة عن الإسلام كارهة له ـ قال : «نعم صلى أمك».
ثم قال القرطبي : ومن الإحسان إليهما والبر بهما ، إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما. فعن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يستأذنه في الجهاد فقال : «أحي والداك؟ قال : نعم ، قال : ففيهما فجاهد».
قال ابن المنذر : في هذا الحديث النهى عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النفير ، فإذا وقع وجب الخروج على الجميع.
ثم قال : ومن تمام برهما : صلة أهل ودهما ، ففي الصحيح عن ابن عمر قال : سمعت
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٦٢.