وفي الحديث (١) : «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» أى : ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ، ما لا يمتنع كثير من الناس عن ارتكابه بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد ، والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع» (٢).
وفي قوله ـ تعالى ـ : (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) تصوير بديع لشدة القرب والاتصال بالله ـ تعالى ـ واستمداد العون منه ـ سبحانه ـ مباشرة ، واللجوء إلى حماه بدون وساطة من أحد.
ثم بشره ـ سبحانه ـ بأن النصر له آت لا ريب فيه فقال ـ تعالى ـ (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً).
والحق في لغة العرب : الشيء الثابت الذي ليس بزائل ولا مضمحل. والباطل على النقيض منه.
والمراد بالحق هنا : حقائق الإسلام وتعاليمه التي جاء بها النبي صلىاللهعليهوسلم من عند ربه ـ عزوجل ـ.
والمراد بالباطل : الشرك والمعاصي التي ما أنزل الله بها من سلطان ، والمراد بزهوقه : ذهابه وزواله. يقال : فلان زهقت روحه ، إذا خرجت من جسده وفارق الحياة.
أى : وقل ـ أيها الرسول الكريم ـ على سبيل الشكر لربك ، والاعتراف له بالنعمة ، والاستبشار بنصره ، قل : جاء الحق الذي أرسلنى به الله ـ تعالى ـ وظهر على كل ما يخالفه من شرك وكفر ، وزهق الباطل ، واضمحل وجوده وزالت دولته ، إن الباطل كان زهوقا ، أى : كان غير مستقر وغير ثابت في كل وقت. كما قال ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) (٣).
وكما قال ـ سبحانه ـ : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ...) (٤).
وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية أحاديث منها : ما أخرجه الشيخان عن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : دخل النبي صلىاللهعليهوسلم مكة ـ عند فتحها ـ وحول البيت ستون وثلاثمائة صنم. فجعل يطعنها بعود في يده ويقول (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ).
__________________
(١) المشهور أن هذه العبارة من الأثر وليست حديثا.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥٩.
(٣) سورة سبأ الآيتان ٤٨ ، ٤٩.
(٤) سورة الأنبياء الآية ١٨.