فكيف تطلبون أيها الجاهلون ـ أن يكون الرسول إليكم ملكا ، وتستبعدون أن يكون بشرا مع أنكم من البشر؟!!
قال الآلوسى : قوله : (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) أى : يعلمهم ما لا تستقل عقولهم بعلمه ، وليسهل عليهم الاجتماع به ، والتلقي منه ، وأما عامة البشر فلا يسهل عليهم ذلك ، لبعد ما بين الملك وبينهم ...» (١).
وهذا المعنى الذي وضحته الآية الكريمة ـ وهو أن الرسول يجب أن يكون من جنس المرسل إليهم ـ قد جاء ما يشبهه ويؤكده في آيات كثيرة منها قوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ، وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ. وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ، فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٣).
وقوله ـ عزوجل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ...) (٤).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم للمرة الثانية ، أن يحسم الجدال معهم ، بتفويض أمره وأمرهم إلى الله ـ عزوجل ـ ، فهو خير الحاكمين فقال : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً).
أى : قل لهم في هذه المرة من جهتك ، بعد أن قلت لهم في المرة السابقة من جهتنا : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ يكفيني ويرضيني ويسعدني ، أن يكون الله ـ تعالى ـ هو الشهيد والحاكم بيني وبينكم يوم نلقاه جميعا فهو ـ سبحانه ـ يعلم أنى قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم ، إنه ـ تعالى ـ كان وما زال خبيرا بصيرا. أى : محيطا إحاطة تامة بظواهرهم وبواطنهم ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
وفي هذه الآية الكريمة تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه منهم من أذى ، وتهديد لهم بسوء المصير ، حيث آذوا نبيهم الذي جاء لهدايتهم وسعادتهم.
وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد حكت بعض الشبهات الفاسدة التي تذرع بها الكافرون
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١٧٣.
(٢) سورة الأنعام الآيتان ٨ ، ٩.
(٣) سورة الأنبياء الآية ٧.
(٤) سورة إبراهيم الآية ٤.