وقال الآلوسى : وقوله : «ما شاء الله ، أى : الأمر ما شاء الله ، أو ما شاء الله ـ تعالى ـ كائن ، على أن «ما» موصولة مرفوعة المحل. إما على أنها خبر مبتدأ محذوف. أو على أنها مبتدأ محذوف الخبر .. وأيما كان فالمراد تحضيضه على الاعتراف بأن جنته وما فيها بمشيئة الله ـ تعالى ـ إن شاء أبقاها وإن شاء أبادها (١).
وبعد أن حضه على الشكر لله ـ تعالى ـ رد على افتخاره وغروره بقوله ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً. فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ).
أى : إن ترن ـ أيها المغرور ـ أنا أقل منك في المال والولد فإنى أرجو الله الذي لا يعجزه شيء ، أن يرزقني ما هو خير من جنتك في الدنيا والآخرة.
(وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) أى : عذابا من جهة السماء كالصواعق والسموم وغيرها مما يشاء الله ـ تعالى ـ إرساله عليها من المهلكات التي تذرها قاعا صفصفا.
قال صاحب الكشاف : والحسبان مصدر كالغفران والبطلان بمعنى الحساب. أى : ويرسل عليها مقدارا قدره الله وحسبه ، وهو الحكم بتخريبها.
«فتصبح» بعد اخضرارها ونضارتها «صعيدا» أى : أرضا «زلقا» أى : جرداء ملساء لا نبات فيها ، ولا يثبت عليها قدم.
والمراد أنها تصير عديمة النفع من كل شيء حتى من المشي عليها. يقال : مكان زلق ، أى : دحض ، وهو في الأصل مصدر زلقت رجله تزلق زلفا ، ومعناه : الزلل في المشي لوحل ونحوه.
(أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) أى : غائرا ذاهبا في الأرض. فالغور مصدر وصف به على سبيل المبالغة وهو بمعنى الفاعل. يقال : غار الماء يغور غورا : أى : سفل في الأرض وذهب فيها.
ومنه قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً ، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ).
(فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) أى : فلن تستطيع أن تحصل عليه أو تطلبه بأية حيلة من الحيل ، لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الماء الغائر إلا الله ـ عزوجل ـ.
وإلى هنا نجد أن الرجل المؤمن قد رد على صاحبه الكافر ، بما يذكره بمنشئه ، وبما يوجهه إلى الأدب الذي يجب أن يتحلى به مع خالقه ورازقه ، وبما يحذره من سوء عاقبة بطره.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٥ ص ٢٧٩.