فاضطرب ، وكان في مكتل مع يوشع ، وطفر من المكتل إلى البحر ، فاستيقظ يوشع ، وسقط الحوت في البحر ، وجعل يسير فيه ، والماء له مثل الطاق ـ أى مثل البناء المقوس كالقنطرة ـ لا يلتئم بعده ، ولهذا قال : (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) أى : مثل السرب في الأرض (١).
وقال الإمام البيضاوي : قوله «نسيا حوتهما» أى : نسى موسى أن يطلبه ويتعرف حاله ، ونسى يوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان منهما بعد ذلك فقال : (فَلَمَّا جاوَزا) أى : المكان الذي فيه مجمع البحرين.
«قال» موسى ـ عليهالسلام ـ لفتاه يوشع بن نون «آتنا غداءنا» أى : أحضر لنا ما نأكله من هذا الحوت المشوى الذي معنا : ثم علل موسى ـ عليهالسلام ـ هذا الطلب بقوله : (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) أى : تعبا وإعياء.
واسم الإشارة «هذا» مشار به إلى سفرهما المتلبسين به.
قالوا : ولكن باعتبار بعض أجزائه ، فقد صح أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لم يجد موسى شيئا من التعب حتى جاوز المكان الذي أمر به» (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) حكاية لما رد به يوشع على موسى ـ عليهالسلام ـ عند ما طلب منه الغداء.
والاستفهام في قوله (أَرَأَيْتَ) للتعجب مما حدث أمامه من شأن الحوت حيث عادت إليه الحياة ، وقفز في البحر ، ومع ذلك نسى يوشع أن يخبر موسى عن هذا الأمر العجيب.
أى : قال يوشع لموسى ـ عليهالسلام ـ : تذكر وانتبه واستمع إلى ما سألقيه عليك من خبر هذا الحوت ، أرأيت ما دهانى في وقت أن أوينا ولجأنا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين ، فإنى هناك نسيت أن أذكر لك ما شاهدته منه من أمور عجيبة ، فقد عادت إليه الحياة ، ثم قفز في البحر.
وقال (إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) دون أن يذكر مجمع البحرين ، زيادة في تحديد المكان
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٧١.
(٢) تفسير البيضاوي ج ٢ ص ١٨.
(٣) تفسير الآلوسى ، ج ١٥ ص ٣١٧.