وقال صاحب الظلال : «وبعد ، فمن يأجوج ومأجوج؟ وأين هم الآن؟ وماذا كان من أمرهم وماذا سيكون؟
كل هذه أسئلة تصعب الإجابة عليها على وجه التحقيق ، فنحن لا نعرف عنهم إلا ما ورد في القرآن ، وفي بعض الأثر الصحيح.
والقرآن يذكر في هذا الموضع ما حكاه من قول ذي القرنين : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).
وهذا النص لا يحدد زمانا ووعد الله بمعنى وعده بدك السد ، ربما يكون قد جاء منذ أن هجم التتار وانساحوا في الأرض. ودمروا الممالك تدميرا.
وفي موضع آخر من سورة الأنبياء : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ).
وهذا النص ـ أيضا ـ لا يحدد زمانا معينا لخروجهم ، فاقتراب الوعد الحق ، بمعنى اقتراب الساعة قد وقع منذ زمن الرسول صلىاللهعليهوسلم فقد جاء في القرآن : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) والزمان في الحساب الإلهى غيره في حساب البشر ، فقد تمر بين اقتراب الساعة ووقوعها ملايين السنين أو القرون.
وإذا فمن الجائز أن يكون السد قد فتح ما بين : «اقتربت الساعة» ، ويومنا هذا. وتكون غارات المغول والتتار التي اجتاحت الشرق ، هي انسياح يأجوج ومأجوج .. وكل ما نقوله ترجيح لا يقين (١).
هذه بعض حجج القائلين بأنه لا مانع من أن يكون يأجوج ومأجوج قد خرجوا.
وهناك فريق آخر من العلماء ، يرون أن يأجوج ومأجوج لم يخرجوا بعد ، وأن خروجهم إنما يكون قرب قيام الساعة.
ومن العلماء الذين أيدوا ذلك صاحب أضواء البيان ، فقد قال ـ رحمهالله ـ ما ملخصه :
اعلم أن هذه الآية : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ) وآية الأنبياء : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) قد دلتا في الجملة على أن السد الذي بناه ذو القرنين ، دون يأجوج ومأجوج ، إنما يجعله الله دكا عند مجيء الوقت الموعود بذلك فيه. وقد دلتا على أنه بقرب يوم
__________________
(١) في ظلال القرآن ج ١٦ ص ٢٢٩٣.