أى : قال الملائكة للوط لإدخال الطمأنينة على نفسه : يا لوط نحن ما جئنا لإزعاجك أو إساءتك ، وإنما جئناك بأمر كان المجرمون من قومك ، يشكون في وقوعه ، وهو العذاب الذي كنت تحذرهم منه إذا ما استمروا في كفرهم وفجورهم ...
وإنا ما أتيناك إلا بالأمر الثابت المحقق الذي لا مرية فيه ولا تردد ، وهو إهلاك هؤلاء المجرمين من قومك ، وإنا لصادقون في كل ما قلناه لك ، وأخبرناك به ، فكن آمنا مطمئنا.
فالإضراب في قوله (قالُوا بَلْ جِئْناكَ ...) إنما هو لإزالة ما وقر في قلب لوط ـ عليهالسلام ـ تجاه الملائكة من وساوس وهواجس.
فكأنهم قالوا له : نحن ما جئناك بشيء تكرهه أو تخافه .. وإنما جئناك بما يسرك ويشفى غليلك من هؤلاء القوم المنكوسين.
وعبر عن العذاب بقوله (بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) زيادة في إدخال الأنس على نفسه وتحقيقا لوقوع العذاب بهم.
وقوله (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) تأكيد على تأكيد.
وهذه التأكيدات المتعددة والمتنوعة تشعر بأن لوطا ـ عليهالسلام ـ كان في غاية الهم والكرب لمجيء الملائكة إليه بهذه الصورة التي تغرى المجرمين بهم دون أن يملك حمايتهم أو الدفاع عنهم.
لذا كانت هذه التأكيدات من الملائكة له في أسمى درجات البلاغة ، حتى يزول خوفه ، ويزداد اطمئنانه إليهم ، قبل أن يخبروه بما أمرهم الله ـ تعالى ـ بإخباره به ، وهو قوله ـ تعالى ـ (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ، وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ).
قال القرطبي : قوله (فَأَسْرِ ..) قرئ فاسر وقرئ فأسر ، بوصل الهمزة وقطعها لغتان فصيحتان. قال ـ تعالى ـ (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ ..) وقال : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ..). وقيل : فأسر تقال لمن سار من أول الليل .. وسرى لمن سار في آخره ، ولا يقال في النهار إلا سار» (١).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٩ ص ٧٩.