ثم نهى الله ـ تعالى ـ المسلمين في شخص نبيهم صلىاللهعليهوسلم عن التطلع إلى زينة الحياة الدنيا ، فقال ـ تعالى ـ : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) ...
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف وصل هذا بما قبله؟
قلت : يقول الله ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم : قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة ضئيلة ، وهي القرآن العظيم ، فعليك أن تستغني به ، ولا تمدن عينيك إلى متاع الدنيا ...
قال أبو بكر الصديق ؛ من أوتى القرآن ، فرأى أن أحدا أوتى من الدنيا أفضل مما أوتى ، فقد صغر عظيما ، وعظم صغيرا» (١).
وقال ابن كثير : وقال ابن أبى حاتم : ذكر عن وكيع بن الجراح ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبى رافع صاحب النبي صلىاللهعليهوسلم قال : أضاف النبي صلىاللهعليهوسلم ضيفا ، ولم يكن عنده صلىاللهعليهوسلم شيء يصلحه ، فأرسل إلى رجل من اليهود : يقول لك محمد رسول الله : أسلفنى دقيقا إلى هلال رجب. قال اليهودي : لا إلا برهن. فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم فأخبرته ، فقال : أما والله إنى لأمين من في السماء ، وأمين من في الأرض ، ولئن أسلفنى أو باعني لأؤدين إليه. فلما خرجت من عنده نزلت هذه الآية. «لا تمدن عينيك» كأنه ـ سبحانه ـ يعزيه عن الدنيا» (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (تَمُدَّنَ) من المد ، وأصله الزيادة. واستعير هنا للتطلع إلى ما عند الغير برغبة وتمن وإعجاب. يقال : مد فلان عينه إلى مال فلان ، إذا اشتهاه وتمناه وأراده.
والمراد بالأزواج : الأصناف من الكفار الذين متعهم الله بالكثير من زخارف الدنيا.
والمعنى : لا تحفل ـ أيها الرسول الكريم ـ ولا تطمح ببصرك طموح الراغب في ذلك المتاع الزائل ، الذي متع الله ـ تعالى ـ به أصنافا من المشركين فإن ما بين أيديهم منه شيء سينتهي عما قريب ، وقد آتاهم الله ـ تعالى ـ إياه على سبيل الاستدراج والإملاء ، وأعطاك ما هو خير منه وأبقى ، وهو القرآن العظيم.
قال صاحب الظلال : والعين لا تمتد. إنما يمتد البصر أى : يتوجه. ولكن التعبير التصويرى يرسم صورة العين ذاتها ممدودة إلى المتاع. وهي صورة طريفة حين يتخيلها المتخيل ..
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٩٨.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٥٦٦.