ويمعن النظر خاصّة في الروايات الشريفة الواردة عن المعصومين عليهمالسلام في هذا الباب والّتي سبقت الإشارة إلى جملة منها ، ولا شكّ أنّ كلّ إنسان يعيش حالة الحسد في نفسه إذا تابع هذا السلوك والبرنامج بشكل جدّي فإنه سيرى آثاره الإيجابية في مدّة قصيرة ، وستتخلص روحه وجسمه من شر الحسد تدريجياً ، وتنفتح أمامه افق السلامة والسعادة في حركة الحياة والواقع.
وينبغي على الحسود خاصّة التفكير في هذه النقطة بالذات ، وهي أنّه لو صرف وقته وطاقاته الّتي يهدرها بالحسد في ترميم شخصيته وتقوية بُنيته النفسية والاهتمام بموفقّيته وتكامله فإنه من المحتمل جدّاً أن يتساوى أو يتفوق على المحسود وينال بذلك الراحة والرضا.
وبتعبير آخر : يجب عليه أن يستبدل دوافع الحسد بدوافع الغبطة ويعمل على تبديل القوى المخربة إلى قوى بنّاءة في حركة الذات والشخصية.
وقد ورد هذا المضمون في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليهالسلام حيث قال : «احْتَرِسُوا مِنْ سُورَةِ البُخْل وَالْحِقْدِ وَالْغَضَبِ وَالْحَسَد وَاعِدُّوا لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِدَّةً تُجَاهِدُونَ بِهَا مِنَ الْفِكْرِ فِي الْعَاقِبَةِ وَمَنْعِ الرَّذِيلَةِ وَطَلَبِ الْفَضِيلَةِ» (١).
أمّا من الناحية (العملية) فتعلم أنّ تكرار العمل المعيّن يؤدي تدريجياً إلى صيرورته عادة في النفس ، والاستمرار على العادة يبدّلها إلى ملكة وصفة باطنية ، فلو أنّ الحسود وبدلاً من سعيه إلى تسقيط اعتبار وشخصية الغير تحرّك على مستوى تقوية شخصيته هو ، وبدلاً من التحدّث بالغيبة وذم الطرف الآخر يسعى إلى ذكر صفاته الإيجابية ومدحه أمام الآخرين ، وبدلاً من السعي في تخريب حياة الطرف الآخر المادية يسعى إلى بذل المعونة والمساعدة له ويذكره بالخير ما أمكنه ذلك ، أو يتحرّك من موقع المحبة والمودة تجاه ذلك الشخص ويريد له الخير والسعادة ويدعو له بالموفقية ويوصي الآخرين بذلك أيضاً ، فمن المعلوم أنّ تكرار مثل هذه الأعمال والسلوكيات بإمكانه إزالة آثار الحسد من واقع النفس
__________________
١ ـ تصنيف غرر الحكم ، ص ٣٠٠ ، ح ٦٨٠٦.