التكبّر والتعصب في الأرض وعمل على التصدي للقدرة الإلهية المطلقة من موقع العناد واللجاجة : فعدو الله امام المتعصبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية ونازع الله رداء الجبرية وادرع لباس التعزز ، وخلع قناع التذلل (١).
وبسبب هذه الحالة الدنيئة والفعل الدنيء فإنّ الله تعالى قد جعل الشيطان ذليلاً وألبسهُ لباس الهوان والحقارة كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام في هذه الخطبة : الا ترون كيف صغره الله بتكبره وو ضعه بترفعه فجعله في الدنيا مدحورا ، واعد له في الآخرة سعيرا (٢).
والخلاصة أنّه كلّما تدبّرنا في قصة إبليس وافرازات التكبّر والغرور فإننا نستجلي دقائق مهمّة وكثيرة عن أخطار التكبّر والاستكبار.
«الآية الثالثة» تتحرك حول استعراض قصة نوح أول أنبياء اولي العزم وصاحب الشريعة ، هذه القصة توضح لنا أنّ المصدر الأساسي للكفر وعناد قوم نوح مع نبيّهم يمتد إلى حيث صفة التكبّر والاستكبار. فعند ما نقرأ الشكوى الّتي تقدّم بها نوح إلى الله تعالى من قومه نجد أنّه يؤكد على هذه المسألة وهي أنّ مخالفتهم نابعة من شدّة استكبارهم حيث تقول الآية :
(وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً)(٣).
فهنا نرى أيضاً أنّ التكبّر ورؤية الذات من موقع الغرور والعجب والتفوق على الآخرين يمثل منبع الكفر والعناد مع الحقّ.
لقد كان تكبّرهم إلى درجة أنّهم لم يتحملوا حتّى سماع كلام الحقّ والّذي يمكن أن يؤثر في تنبّههم وإيقاضهم من ضلالهم ولذلك كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ويستغشون
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢.
٢ ـ المصدر السابق.
٣ ـ سورة نوح ، الآية ٧.