تتعرض للتلف والزوال وتصيبها الآفات المختلفة.
وكذلك إذا عاد لينظر في تاريخ الأقوام السالفة والمجتمعات البشريه الماضية وسرعة زوال قدراتها وتلف أموالها وثرواتها واندثار ما تبقى من امكاناتها وحضارتها وشموخها ، لما أصابه الغرور.
كيف يغتر الإنسان بعلمه والحال انه من المحتمل أن يُصاب بضربة على رأسه فينسى جميع علومه بل ينسى حتّى اسمه؟
وكيف يغتر الإنسان بأمواله في حين أنّ تغييراً بسيطاً في السوق أو وقوع حادثة مهمة اجتماعية أو سياسية أو عسكرية بامكانها أن تُبيد جميع أمواله بل قد يغرق في الدين والقرض أيضاً.
وعلى أيّة حال فإنّ ممّا يزيل عن الإنسان حالة الغرور والفخر والسكر بزخارف الدنيا وبريقها هو معرفة النفس وأوضاع العالم الدنيوي المتحركة وعدم ثباتها وكثرة تغيرها وتبدلّها.
والقرآن الكريم يخاطب هؤلاء المغرورين من موقع التحذير والإنذار ويقول : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(١).
وشبيه هذا المعنى ورد في سورة غافر الآية ٢١ و ٨٢ أيضاً إذا تفكر الإنسان جيداً في معالم وأعضاء جسمه وكوامن روحه ونفسه لوجد الضعف مهيمناً على أجواء كيانه وكيف أنّ الحوادث الجزئية والتوافه بإمكانها أن تهدم حياته وتشل حركته فسوف لا يصاب بسكر الغرور أبداً كما يقول أمير المؤمنين عليهالسلام «مِسْكِينُ بْنُ آدَمَ مَكْتُومُ الْاجَلِ ، مَكْنُونُ الْعِلَلِ مَحْفُوظُ الْعَمَلِ ، تُؤْلِمُهُ الْبَقَّةُ وَتَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ وتُنْتِنُهُ الْعَرْقَةُ» (٢).
__________________
١ ـ سورة الروم ، الآية ٩.
٢ ـ نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الحكمة ٤١٩.