منهجاً عاماً في سلوك جميع الأقوام الّذين يتحركون في خطّ الإنحراف والضلال والزيغ ، فهؤلاء وبسبب تعصبهم الشديد للأفكار الخرافية والتقاليد الزائفة ، وعنادهم وإصرارهم على اعتناقها وعدم التخلي عنها ، وبالتالي اتباعهم لآبائهم وأسلافهم إتباعاً أعمى ، وبذلك انتقلت الخرافات والعقائد الزائفة جيلاً بعد جيل حيث ضاعت دعوة رجال الحقّ والأنبياء الإلهيين الّذين جاءوا لهدايتهم في زَحمة النعرات الجاهلية لهؤلاء الأقوام المنحرفين.
ونبدأ قبل كلّ شيء بقصة نوح مع قومه لنرى أنّ هؤلاء الّذين كانوا يعبدون الأوثان كانوا إلى درجة من التعصب والعناد في مقابل دعوة نبي عظيم من اولي العزم حتّى أنّهم كانوا يستوحشون من سماع صوته ودعوته إلى الله كما تتحدّث «الآية الاولى» من الآيات مورد البحث على لسان نوح فتقول : (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً)(١).
أجل فإنّ تعصّبهم وعنادهم كان من الشدّة والقوّة إلى درجة أنّهم لن يسمحوا لآذانهم أن تسمع صوت نوح الحامل للنداء الإلهي ، وكذلك لم يسمحوا لعيونهم أن ترى وجهه وسيماءه ، وبهذه الطريقة العجيبة كانوا يتهربون من الحقيقة ، فما أخطر هذه الحالة الّتي يعيشها الإنسان الجاهل والمتعصب!!
وتأتي «الآية الثانية» لتكشف عن بُعدٍ آخر من هذه الرذائل الأخلاقية المتجذّرة في قوم نوح وتقول : (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)(٢).
أما لماذا لم يكونوا على استعداد لترك هذه الاصنام التي صنعوها بأيديهم ، بل كانوا يرون أنّها حاكمة على مصيرهم ومصير العالم؟ لا دليل لذلك سوى التعصب والتقليد الأعمى للتقاليد الزائفة والعقائد البالية.
__________________
١ ـ سورة نوح ، الآية ٧.
٢ ـ سورة نوح ، الآية ٢٣.