وعند ما قال لهم إبراهيم بصراحة حاسمة : إنكم أنتم وآبائكم في ضلال مبين ، لم يستيقظوا من غفلتهم ، فلم يكن من إبراهيم إلّا أن بين لهم تفاهة هذه التماثيل والأصنام من موقع العمل والممارسة ، فحطّم هذه الأصنام لكي يثوبوا إلى عقولهم ، ولكنهم بدلاً من الانتباه من سكرتهم وجهالتهم وبدلاً من أن يمزّقوا حجب الجهل والتعصب واللجاجة فقد هدّدوا إبراهيم بالحرق بالنار ، وألبسوا تهديدهم لباس الفعل وترجموه على أرض الواقع ، وقذفوا بإبراهيم وسط أمواج النيران الملتهبة ، وعند ما رأوا أنّ هذه النار تحوّلت إلى نعيم وجنّة وكانت برداً وسلاماً على إبراهيم ، وشاهدوا أكبر معجزة إلهية بامّ أعينهم استمروا مع ذلك في سلوكهم الأحمق بتأثير قيود الجهل والتعصب والاصرار ، وادّعوا أنّ ذلك كان من قبيل السحر.
كلّ ذلك يدلّ على أنّ هذه الرذائل الأخلاقية إلى أيّة درجة هي خطرة على الإنسان ومانعة من التحرّر في الفكر والوصول إلى الحقّ ، وأنّ الأشخاص الّذين يقعون أسرى في براثن هذه الرذائل فإنّهم يعيشون الذلّة والحقارة إلى غايتها وبذلك يحطّمون عزّتهم الإنسانية ويهبطون من مقام الإنسانية الشامخ ويقبلون بكلّ ذلك بدلاً من التسليم والإذعان إلى الحقّ.
وتشير «الآية الخامسة» أيضاً إلى عبادة الأوثان لدى قوم (نمرود) عند ما واجههم إبراهيم بالأدلة الساطعة والبراهين القاطعة على سخافة هذه العقيدة من خلال الحوار العقلي والمنطقي حيث تقول الآية : (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)(١).
ولكن هؤلاء لم يكن لديهم أيّ جواب منطقي في مقابل هذه التساؤلات الحاسمة إلّا أنّهم لاذوا بكهف التقليد الأعمى كما تقول الآية : (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ)(٢).
__________________
١ ـ سورة الشعراء ، الآية ٧٢ و ٧٣.
٢ ـ سورة الشعراء ، الآية ٧٤.