عن إدراك الحقيقة والوصول إلى المقصود.
ورغم أنّ بعض المفسّرين قد ذكر لهذه الآية تفسيرات اخرى ، ولكن أوضح التفاسير وأنسبها لسياق هذه الآية هو ما ذُكر آنفاً.
وعلى هذا الأساس ورد في بعض الروايات الإسلامية عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أنّ الأشخاص الّذين يعيشون التعصّب والعناد هم شركاء لأعراب الجاهلية حيث يقول : «مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ عَصَبِيَّةٍ بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ اعْرَابِ الْجَاهِلِيَّةِ» (١). وحبّةٍ من خردل يُضرب بها المثل بالصغر لدى العرب.
وتأتي «الآية العاشرة» لتكشف النقاب عن هذه الرذيلة الأخلاقية في أقوام بشرية اخرَى وأنّ كلّ قوم وطائفة يرون أنفسهم أنّهم الأفضل بدافع التعصب واللجاجة ويتحركوا في تعاملهم مع الآخرين من موقع الإبعاد والنفي ويحسبون أنفسهم أنّهم عباد الله المتميزون على سائر الأقوام والشعوب البشرية ، وهذا الأمر هو الّذي تسبب في نزاعات مستمرة وصراعات دائمة بين الأقوام البشرية حيث تقول الآية : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(٢).
ويُستفاد من سياق هذه الآية أنّ هذا اللون من التعصّبات وأشكال الغرور ينبع من الجهل وعدم المعرفة وأنّ كلّ فئة من الناس تعيش الجهل وعدم المعرفة سوف يتورطون في هذه الرذيلة الأخلاقية.
وعبارة (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) لها مفهوم واسع وأحد مصاديقها هم المشركون العرب ، ولذلك فسّرها بعض المفسّرين بأنّهم قوم نوح ، أو ذكروا في تفسيرها أنّ المراد منها جميع الامم البشرية الّتي عاشت التعصب والعناد بسبب الجهل وعدم المعرفة.
__________________
١ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٠٨ ، باب العصبيّة ، ح ٣.
٢ ـ سورة البقرة ، الآية ١١٣.