إن التحقيقات التاريخية تشير إلى أنّ المجتمعات الّتي كانت تتمتع بمقدار كافٍ من العفة كانت تتمتع بطاقات وقدرات حضارية وإنسانية وتعيش حالة من التقدّم والتكامل على المستوى الفردي والاجتماعي وتعيش الأمن والهدوء والاستقرار في مستويات عالية ، ولكن وبعكس ذلك الأشخاص أو المجتمعات الّتي كانت غارقة في مستنقع الشهوات فإنّها فقدت طاقاتها البنّاءة وقواها الحيوية وبالتالي أضحت مستسلمة لتداعيات قوى الإنحراف والسقوط الحضاري.
وطبقاً لنظر الحقوقيين فإنّ «الشهوة الجنسية» تعتبر دعامة رئيسية في التورط في الجريمة والعدوان إلى درجة أنّه قيل : إنّ في كلّ جريمة هناك عنصر «الشهوة الجنسية» ، ولعلّ هذا التعبير مبالغٌ فيه ، ولكن الحقيقة أنّ طغيان «الغريزة الجنسية» وطلب الشهوة يعتبر منشأً ومصدراً للكثير من الجرائم والانحرافات الفردية والاجتماعية ، فقد سفكت بسببها الكثير من الدماء واتلفت الكثير من الأموال والثروات ، وتم تسريب الكثير من الأسرار المهمة للحكومات والدول بواسطة النساء الجاسوسات من خلال استخدامهن لعنصر الجمال والجاذبية الجنسية ، وبالتالي كانت هذه الغريزة هي السبب في التورط في الفضائح الأخلاقية على مستوى الشخصيات والدول.
ومن خلال الآيات والروايات الشريفة ، يمكننا أن نستوحي هذه الحقيقة ، وهي أنّ «الشهوة الجنسية» تعتبر إحدى الوسائل والأدوات المهمة للشيطان ، ونجد في القرآن الكريم اشارات متعددة لمفهوم العفة والشهوة في موارد مختلفة ، وفيما يلي بعض الآيات الكريمة الّتي تستنطق هذا المفهوم القرآني :
١ ـ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً)(١)
٢ ـ (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)(٢).
__________________
١ ـ سورة مريم ، الآية ٥٩ و ٦٠.
٢ ـ سورة النساء ، الآية ٢٧.