لدى العقل فيصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً.
ولهذا السبب بالذات رأينا في الروايات السابقة الواردة عن أمير المؤمنين عليهالسلام (الرواية الثامنة) أنّ الإمام عليهالسلام يصرح متسائلاً «كَيْفَ يَسْتَطيعُ الهُدى مَنْ يَغلِبُه الهَوى» (١).
ويشير الإمام عليهالسلام في الحديث العاشر أيضاً إلى هذه الحقيقة وهي أنّ اتباع الشهوة يفسد شخصية الإنسان ويضعف مروئته ، وكذلك قرأنا قوله في الحديث التاسع أنّ اتباع الشهوات بمثابة عبادة الوثن وبإمكانه أن يحطم إيمان الفرد ويتلف دينه ، هذا وقد اورد المفسّرون وأرباب الحديث في ذيل الآيات ١٦ و ١٧ من سورة الحشر قصة العابد من بني إسرائيل والذي يدعى «برصيصا» الّذي يُعَدُ شاهداً حيّاً على هذا المدعى ولا بأس من استعراض هذه القصة النافعة رغم انها قد وردت في الكثير من الكتب المعروفة حيث نقل بعض المفسّرين أنّ رجلاً من بني إسرائيل يدعى «برصيصا» قد عبد الله زماناً من الدهر حتّى كان يؤتى بالمجانين يداويهم ويعوذهم فيبرؤون على يديه ، وانه أُتي بامرأة قد جُنّت وكان لها أخوة فأتوه بها فكانت عنده ، فلم يزل به الشيطان يزيّن له حتّى وقع عليها فحملت ، فلما استبان حملها قتلها ودفنها ، فلما فعل ذهب الشيطان حتّى لقى أحد اخوتها فأخبره بالّذي فعل الراهب وانه دفنها في مكان كذا ، ثمّ أتى بقية أخوتها ، وهكذا انتشر الخبر فساروا إليه فاستنزلوه فأقرّ لهم بالّذي فعل ، فأمر به فصلب ، فلمّا رفع على خشبة تمثل له الشيطان فقال : أنا الّذي ألقيت في قلوب أهلها ، وأنا الّذي أوقعتك في هذا ، فأطعني فيما أقول أخلصك ممّا أنت فيه ،
قال : نعم.
قال : اسجد لي سجدة واحدة.
فقال : كيف أسجد لك وأنا على هذه الحالة ،
فقال : اكتفي منك بالإيماء ، فأومى له بالسجود فكفر بالله وقتل. فهو قوله تعالى : (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ...).
__________________
١ ـ شرح غرر الحكم ، ح ٧٠٠١ ، ص ٥٦٦.