وقد تقدّم في المباحث السابقة تفصيل الكلام عن جذور الغفلة وأسبابها ، فلا حاجة إلى التكرار ، ولكن نواصل إلى المطالب السابقة نذكر فيما يلي بعض النقاط النافعة لإزالة الآثار السيئة للغفلة في واقع الإنسان.
١ ـ كسب العبرة من التاريخ
يجب دراسة التاريخ بدقة وتأمل وكسب العبرة من حوادثه ومجرياته ، فأيوان كسرى في المدائن واطلال قصور الملوك واهرام مصر تحدثنا بلسانها غير الناطق وتخبرنا عمّا جرى على الأقوام السالفة لنأخذ العبرة منهم ، والخلاصة لا بدّ من استطلاع تاريخ البشرية ومشاهدة آثارهم الباقية واستيحاء العبرة من كلّ ذلك.
القبور المندثرة للابطال وقادة الحروب بالأمس ترزح أبدانهم المترفة أسيرة التراب ، رؤية المسنين والعجائز الّذين كانوا بالأمس القريب شباباً ممتلئين حيوية ونظارة وهم الآن يعيشون العجز وعدم القدرة على ممارسة نشاطاتهم اليومية ، كلّ هؤلاء كانوا بالأمس القريب أشخاصاً أقوياء وممتلئين بالفتوة والحيوية ، ولكن حوادث الأيّام والسنين قد أخذت منهم مآخذها وأكلت منهم قوتهم وسلبتهم نشاطهم ، ونحن الآن على آثارهم وسوف نبتلي بحالتهم.
ومن الواضح إننا كلّما تفكرنا في هذا المواضع أكثر وتأملنا في تحول الأيّام وتبدل الحكومات وانتقال الثروات وتبدلّ المناصب الدنيوية فإننا سوف لا نعيش حالة الغفلة.
الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : «انَّ مَنْ عَرَفَ الْايَّامَ لَمْ يَغْفَل عَنْ الاسْتِعْدادِ» (١).
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليهالسلام قال «اغْفَلَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يَتَّعِظ بِتَغَيُّرِ الدُّنْيَا مِنْ حَالٍ إلَى حالٍ» (٢).
٢ ـ استمرار ودوام الذكر
والعامل المؤثر الآخر لطرد آثار الغفلة هو استمرار ودوام الذكر ، لأن ذكر الله تعالى يحيي
__________________
١ ـ ميزان الحكمة ، ج ٣ ، ص ٢٢٨٥ ، ح ١٥١٨٩.
٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ١١٢.