الغذائية والمياه الجوفية ، كلّ ذلك تضعه تحت اختيار الإنسان مجاناً وتعينه بذلك على مصاعب الحياة ، وهكذا الحال في سائر موجودات هذا العالم الفسيح فإنّ كلّ واحدة منها يعطي للإنسان ما لديه مظهراً بذلك كرمه وجوده.
ومضافاً إلى هذا العالم الكبير نرى في العالم الصغير ، أي الإنسان أيضاً نفس هذه المسألة ، فالقلب ، والجهاز التنفسي ، والمعدة ، العين ، الاذن ، اليد والرجل كلّها لا تعمل من أجل ذاتها فقط بل تخدم في حركتها وحياتها جميع أجزاء البدن ، فلا معنى للبخل في وجودها ، بل كلّما هناك هو الكرم والجود يترشح من جميع أجزاء البدن وجميع خلاياه.
في هذا العالم الّذي تحكم فيه معالم الكرم والسخاء فهل هناك من مكان للإنسان البخيل؟ ألا يتقاطع وجود هذا الإنسان البخيل مع عالم الوجود وبالتالي فإنه محكوم بالموت والاندثار والزوال؟
على هذا الأساس نرى ذمّ «البخل» ومدح «السخاء والكرم» بشكل واسع في الآيات والروايات الإسلامية حيث نرى أنّ «الجود والسخاء» بعنوان أنّهما من الصفات والأسماء الإلهية البارزة في عالم الوجود وتمثل سمة من سمات الأئمّة المعصومين عليهمالسلام أيضاً.
بهذه الإشارة نعود إلى آيات القرآن الكريم لنستوحي منها ما يضفي على مفهوم «البخل» و«السخاء» ضوءاً وجلاءاً أكثر :
١ ـ (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(١).
٢ ـ (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَلا يَسْتَثْنُونَ* فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)(٢).
__________________
١ ـ سورة القصص ، الآية ٧٦ ـ ٧٧.
٢ ـ سورة القلم ، الآية ١٧ ـ ٢٠.