الإنسان من الأموال هو في الواقع أداء للأمانة الإلهية الّتي أودعت عنده لغرض اختباره وامتحانه وتربيته ، وبذلك فإنّ الله تعالى أمر عباده بإيصال بعض هذه الأمانة إلى الفقراء والمساكين أو إنفاقها في طريق الجهاد في سبيل الله.
وفي ختام الآية يتحرّك القرآن الكريم من موقع التهديد للأشخاص الّذين يعيشون البخل والشُّح ويقول : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)(١).
وعلى هذا الأساس تنطلق الآية من موقع التهديد للبخلاء بالفناء والاندثار ، وهذا من أشد اشكال التهديد الوارد للبخلاء.
وبالرغم من أنّ مصداق الانفاق في سبيل الله ومع ملاحظة سياق الآية والقرائن الموجودة هو الأنفاق في طريق الجهاد ، ولكن المفهوم واسع ويشمل كلّ عملٍ خير يتحرّك فيه المؤمن من موقع البذل والعطاء للآخرين.
والكثير من المفسّرين من الشيعة وأهل السنّة ذكروا في ذيل هذه الآية انه بعد نزولها سأل بعض الصحابة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله عن مراد القرآن الكريم من هؤلاء القوم الّذين يأتون بعد البخلاء ويحلون محلهم ولا يكونوا أمثالهم من هم؟
فوضع النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله يده على رجل سلمان الّذي كان جالساً إلى جنبه وقال «هَذَا وَقَومُهُ وَالّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الإيمانُ مَنُوطاً بِالثُرَيّا لَتَناوَلَهُ رِجالٌ مِنْ فَارْسٍ» (٢).
«الآية الثامنة» بعد أن تأمر بالانفاق وتؤكد على أنّ الانفاق يورث الإنسان كلّ خير وبركة تقول : (.. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٣).
يقول الراغب الاصفهاني في كتابه «مفردات القرآن» الشُّح ، (على وزن مخ) بخلٌ مع
__________________
١ ـ سورة محمّد ، الآية ٣٨.
٢ ـ ذكر هذا الحديث «القرطبي» في تفسير «الأحكام» ، والبرسوئي في «روح البيان» والفخر الرازي في «التفسير الكبير» ، والطبري في «مجمع البيان» ، وأبو الفتوح الرازي في تفسيره ، والسيوطي في «الدرّ المنثور» ، وجماعة آخرون أيضاً ذيل تفسيرهم لهذه الآية.
٣ ـ سورة التغابن ، الآية ١٦ وسورة الحشر ، الآية ٩.