بالتدريج عادة ، ثمّ يتحول إلى حالة ، وبالتالي يكون ملكة أخلاقية في واقع النفس.
وضمناً فإنّ عملية تربية الوالدين والمعلم والاستاذ مؤثرة كثيراً في هذا المجال ، فلو أنّهم عودوا الطفل حالة الجود والسخاء منذ الطفولة فإنّ هذه الملكة الأخلاقية سوف تمد جذورها إلى أعماق نفوسهم وقلوبهم وتكون في الكبر جزءاً من شخصيتهم ، ويذكر في حالات «الصاحب بن عبّاد» أنّه كان في أوان صغره إذا أراد المضيّ إلى المسجد ليقرأ تعطيه والدته ديناراً ودرهماً كلّ يوم وتقول له تصدّق بها على أوّل فقير تلقاه فجعل هذا دأبه في شبابه إلى أن كبر وماتت والدته. وكان لا يدخل عليه في شهر رمضان بعد العصر أحد كائناً من كان فيخرج من داره إلّا بعد الافطار عنده وكانت داره لا تخلو في كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان من ألف نفس مفطرة فيها وكانت صلاته وصدقاته وقرباته في هذا الشهر تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة (١).
ونختم هذا البحث في بعض الأحاديث الشريفة :
ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «الَجَنَّةُ دَارُ الاسْخِياء» (٢).
ويقول الإمام الصادق عليهالسلام أنّ الله تعالى يقول «انّي جَوادٌ كريمٌ لا يُجَاوِرُني لَئيمٌ» (٣).
وفي حديث آخر عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «طَعامُ الجَوادِ دَواءٌ وَطَعامُ البَخيلِ داءٌ» (٤).
وأحد العرفاء يدعى «ابن سمّاك» (٥) يقول «عَجِبْتُ لِمَن يَشتَرِيَ الْمَماليكَ بِمالِهِ
__________________
١ ـ سفينة البحار ، مادّة صحب.
٢ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٦ ، ص ٦٢.
٣ ـ المصدر السابق ، ص ٦٤.
٤ ـ المصدر السابق ، ص ٦١.
٥ ـ عاش «ابن سمّاك» في القرن الثاني الهجري في زمن حكومة هارون الرشيد ، وتوفي عام ١٨٣ ه ق في الكوفة ، يقول عنه المحدّث القمّي في سفينة البحار (مادة سمك) أنّه كان حسن الكلام صاحب مواعظ ، ويذكر ابن أبي الحديد أنّه دخل ابن السماك على الرشيد فقال له ، عظني ، ثمّ دعا بماء ليشربه فقال ، ناشدتك الله لو منعك الله من شربه ما كنت فاعلاً؟ قال ، كنت أفتديه بنصف ملكي ، قال ، فاشرب ، فلمّا شرب قال ، ناشدتك الله لو منعك الله من خروجه ما كنت فاعلاً؟ قال ، كنت افتديه بنصف ملكي ، قال ، إنّ ملكاً يفتدى بشربة ماء لخليق أن لا ينافس عليه.