الأقل فإنه يستعجل في طريق الشر والفساد ، كما نرى هذا الحال لدى الكفّار المعاندين عند ما يحذرهم النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله من عذاب الله وعقوباته الدنيوية ، فتجدهم يستعجلون بهذا العذاب ويطلبون من النبي أن يسرع في نزول العذاب المهلك ، وفي الحقيقة يطلبون موتهم وهلاكهم من النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله كما تتحدّث الآية مورد البحث عن ذلك : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ)(١).
أجل ، إذا اقترنت العجلة لدى الإنسان بالعناد والإصرار ، فالنتيجة هي ما قرأناه في هذه الآية الشريفة ، فبدلاً من الاستعجال لطلب الخير واكتساب الحسنات فإنّهم يستعجلون في طلب الشرّ ويوقعون أنفسهم بأمواج البلاء والشقاء كما نجد هذا المضمون في الآية الاولى من سورة المعارج (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ).
وقد ذكر الكثير من المفسّرين وأرباب الحديث أنّ هذه الآية نزلت في «النعمان بن الحارث الفهري» عند ما نصب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله الإمام علي في غدير خم خليفة له وقال قولته المشهورة «مَنْ كُنتُ مَولَاهُ فَهَذَا عَليٌّ مَولاهُ» فلمّا سمع بذلك هذا الرجل اغتاظ من ذلك وجاء إلى النبي معترضاً بشدّة ، وعند ما سمع من النبي أنّ هذا الأمر إنما هو أمرٌ إلهيٌّ ازداد غيظاً وقال : إلهي إن كان هذا هو الحقَ من عندك فانزل علينا حجارةً من السماء ، فلم يمكث مدّة حتّى نزلت عليه حجارةً من السماء فأصابته في رأسه وقتلته ، وقد نزلت الآية في هذه الواقعة (٢).
ألم يكن من الأفضل لمثل هؤلاء الأشخاص أن يطلبوا من الله تعالى بدلاً من العناد واللجاجة ، الهداية والمغفرة وإزالة حالة التعصب والعناد في ذاتهم؟ وطبقاً للآية مورد البحث فإنّ مغفرة الله تسبق عذابه سبقت رحمته غضبه وهكذا فإنّ الله تعالى لا يعذب أحداً ما دام احتمال هدايته موجوداً ، ولكن مع الأسف فإنّ بعض الناس المعاندين
__________________
١ ـ سورة الرعد ، الآية ٦.
٢ ـ مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٥٢.