وحينئذٍ يتضح دور الصبر والاستقامة في حركة الحياة الدنيوية والنتائج المترتبة على ذلك ، فما أعظم أن يجد الإنسان نفسه مشمولاً بثلاث عنايات إلهية في مقابل الصبر وهي :
الاولى : الصلوات والتحيات الإلهية من النوع الّذي يصلي فيه الله تعالى على نبيّه الكريم ، ثمّ شمول رحمته الواسعة لهذا الإنسان ودخوله في دائرة اللطف الإلهي ، والأهم من ذلك أنّ الهداية الإلهية ستكون من نصيب هؤلاء والّتي هي مصدر جميع النعم والمواهب وأشكال السعادة الدنيوية والاخروية.
وأما لماذا وردت كلمة «صلوات» بصورة جمع؟ هنا ذكر تفسيران كلّ منهما محتمل في معنى الآية ، الأوّل أنّ ذلك إشارة إلى أنواع الاكرام الإلهي والاحترام الرباني لهؤلاء ، والآخر انه إشارة إلى تكرار هذه العملية وأنّ الله يصلّي عليهم عدّة مرّات ، اما التعبير بالرحمة بصورة نكرة فهو إشارة إلى الأهمية والعظمة لهذه النعمة.
واما الفرق بين الصلوات والرحمة فقد ذكر البعض أنّ الصلوات إشارة إلى مدح الله ولطفه ومغفرته ، في حين أنّ الرحمة إشارة إلى النعم المادية والمعنوية في الدنيا والآخرة.
«الآية الرابعة عشر» والأخيرة من الآيات مورد البحث والّتي وردت في سورة العصر فإنّها ضمن بيان هذه الحقيقة ، وهي أنّ جميع الناس سيكون مصيرهم إلى الخسران حتماً ما عدا الأشخاص الّذين يتمتعون بأربع صفات ، وأحدها : الصبر والاستقامة وتقول (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ)(١).
جملة (تَواصَوْا) من مادّة «تواصي» وتشير إلى انه ينبغي على المؤمنين بعد الإيمان والمعرفة والعمل الصالح أن يتحركوا من موقع التكاتف والتعاون لاحقاق الحقوق والانصاف والعدالة في التعامل مع الغير والتوصية بذلك فيما بينهم ، لأنّ إحقاق الحقّ واجراء العدالة في المجتمع الإنساني لا يتسنّى إلّا بالاستقامة والصبر أمام تحديات الواقع الصعبة
__________________
١ ـ سورة العصر ، الآية ١ ـ ٣.