عند ما يتحرّك في خط الطاعة والاتيان بالعبادة فإنه قد يواجه مشكلة من ثقل هذه العبادة ويشعر بالتعب ، ولكن تكرار هذه الحوادث وممارسة هذه العبادات سوف تكسبه بالتدريج فضيلة الصبر وتمنحه القوّة في ذاته على الاستمرار في خطّ الاستقامة.
٣ ـ ومن العوامل المهمة في تقوية ملكة الصبر في الإنسان أن يلتفت الشخص إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ الدنيا دار الحوادث والمشكلات ، ولا يتسنّى له الحصول على أية موهبة من المواهب المادية والمعنوية من دون عبور هذه الموانع المختلفة والتغلب على تلكم المشكلات ، وأيضاً يلتفت إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ الأفراد الّذين يعيشون النزق وقلة الصبر وسرعة الانفلات لا يصلون إلى مرتبة من مراتب الكمال النفسي والاجتماعي ، كلّ ذلك من شأنه أن يقوي في الإنسان العزم والإرادة والصمود أمام المشكلات والحوادث.
وكما تقدّمت الإشارة إليه انه لا بدّ لقطف الوردة من تحمل ألم الوخزة ، ولتناول جرعة من العسل لا بدّ من تحمل لسع النحل ، وأنّ الكنوز موجودة عادّةً في الخرائب ، والجنّة كامنة في أعماق المشاكل والحوادث المؤلمة.
ومن المعلوم أنّ كلّ إنسان يتفكر جيّداً في هذه الامور فإنه سيجد في نفسه القدرة على الصبر أكثر وتتعمق فيه هذه الفضيلة الأخلاقية ، ومن ذلك ورد في حديث آخر عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : «لِكُلِّ نِعْمَةٍ مِفْتاحٌ وَمِغْلاقٌ وَمِفتاحُهَا الصَّبْرُ وَمِغلاقُها الْكَسَلْ» (١).
٤ ـ وأحد العوامل والدوافع الاخرى للصبر وسُبل تقويته في وجود الإنسان هو أن يتشبه الإنسان بالصابرين ، وهذا الأمر يصدق على جميع الفضائل الأخلاقية ، فكلّما تحلّى الإنسان في الظاهر بصفة معيّنة فسوف تنفذ وتمتد إلى باطنه بالتدريج ويكتسب بذلك هذه الملكة.
وورد في حديث شريف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله «مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرُهُ اللهُ وَمَنْ يَسْتَعْفِف يَعُفَّهُ اللهُ ، وَمَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهُ اللهُ وَمَا اعْطِي عَبْدٌ عَطاءً هُوَ خَيرٌ وَاوسَعُ مِنَ الصَّبْرِ» (٢).
__________________
١ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٢٠ ، ص ٣٢٢.
٢ ـ ميزان الحكمة ، ج ٢ ، ح ١٠١٢٨.