مستوى بيان عظمة الإنسان. عند ما يكون الإنسان في أوّله نطفة مهينة وفي آخره جيفة نتنة ويعيش بين هذين عدّة أيّام فلا يعدّ ذلك شيئاً يستحق الفخر والتكبّر والغرور.
إنّ الإنسان في بداية تولده ليس سوى طفل ضعيف جدّاً وعاجز عن كلّ شيء وحتّى انه لا يتمكن من حفظ الماء الملقّى في فمه بشفاهه ، وكذلك عند ما يبلغ سن الشيخوخة يكون ضعيفاً إلى درجة أنّه إذا أراد المسير عدّة خطوات وكان يتمتع بأقدام سالمة فإنه لا يتمكن من ذلك إلّا بأن يستريح كُلما قَطّعَ كلّ عدّة خطوات ويجدد طاقته ثمّ ينهض ليكمل مسيره متوكأً على عصاه وقد احنى الدهر قامته ، ولو لم يكن ذا أقدام سليمة فإمّا أن يكون قد ابتلي ببعض عوارض الشيخوخة الّتي يبتلي بها أكثر الأشخاص فيجب أن يُنقل من جهة إلى اخرى بواسطة الكرسي المتحرك.
ونقرأ في حديث عن الإمام الباقر أنّه قال «عَجَباً لِلْمُخْتَالِ الْفَخُورِ وَانَّمَا خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ يَعُودُ جِيفَةً وَهُوَ فِيَما بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَدْرِي مَا يُصْنَعُ بِهِ» (١).
إذا ذهبنا يوماً إلى المستشفيات ورأينا الكثير من الأقوياء والأصحّاء يرقدون على أسرّة المستشفى بسبب حادثة اصطدام أو مرض معيّن حيث لا قدرة لهم على الحراك ، فندرك حينذاك مقدار قوّة الإنسان وقدرته البدنية الّتي يفخر بها.
ولو نظرنا إلى الأثرياء المعروفين الّذين قد استولى عليهم حالة الإنهيار الاقتصادي والإفلاس المادي بتغير بسيط فتحوّل حالهم من أعلى المقامات إلى أسفل السافلين وحينئذٍ نعلم أنّ الثروة الطائلة ليست شيئاً يعتمد عليه الإنسان ويفتخر به.
ولو نظرنا إلى أصحاب القدرة والسلطة في العالم وكيف أنّهم مع حدوث التغير في الوضع السياسي يسقطون من كراسيهم وعروشهم ويفقدون قدرتهم أو يقبعون خلف قضبان السجن أو يحكم عليهم بالأعدام لرأينا القدرة الظاهرية ليست قابلة للاعتماد والفخر.
إذاً فبأي شيء يفخر الإنسان؟ وكيف يستولي عليه الغرور ويباهي الآخرين ويفتخر عليهم.
__________________
١ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٠ ، ص ٢٢٩.