النبي صلىاللهعليهوآله : «المؤمن هيّن ليّن» (١). الثاني : أن يكون عن جهة متسلِّط مستخف به فيذمّ به (٢).
ولا يخفى أنّ المقصود بقوله : (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) ليس هو المشي في حالة التواضع فحسب ، بل المقصود نفي كلَّ نوع من التكبّر والأنانية والسلوكيات السلبية النابعة من حالة التكبّر السلبية والّتي تتجلّى في أعمال الإنسان وأفعاله الاخرى ، وذكرت الآية المشي باعتباره نموذج عملي للدلالة على وجود التواضع كملكة نفسانية لدى هؤلاء ، لأن الملكات الأخلاقية تتجلّى دائماً على كلمات الإنسان وحركاته الخارجية إلى درجة أنّه في الكثير من الحالات يُستدل على وجود أنواع من الصفات الأخلاقية في الشخص بواسطة المشي.
أجل فإنّ أول صفة لعباد الرحمن هي التواضع الّذي يملأ وجودهم وينفذ إلى أعمال نفوسهم فيتجلّى ويظهر على حركاتهم وسكناتهم وكلماتهم ، وعند ما نرى أنّ الله تعالى في الآية ٣٧ من سورة الإسراء يأمر نبيه الكريم بالقول «وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» فالمقصود ليس هو النهي عن حالة المشي بصورة معينة ، فحسب بل الهدف هو غرس التواضع في جميع الحالات والسلوكيات الاخرى والّذي يُعد علامة على عبودية الله تعالى.
«الآية الثالثة» تخاطب النبي الأكرم وتقول (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
«خفض» على وزن «كرب» هو في الأصل بمعنى السحب إلى الاسفل ، وعليه فجملة (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ) كناية عن التواضع المقرون بالمحبة والحنان كما هو حال الطائر الّذي يفتح جناحه ويضم إليه فراخه إظهاراً للمحبّة وبدافع الحنان ولصونهم من الأخطار المحتملة وحفظهم من التفرّق ، وعلى هذا الأساس فإنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله مأمور بأن يتحرّك من هذا الموقع ليحفظ المؤمنين تحت جناحه وظلّه.
وهذا التعبير جميل جدّاً ومليء بالمعاني والنكات الدقيقة الّتي جُمعت في جملة واحدة.
__________________
١ ـ كنز العمال ، ح ٦٩٠.
٢ ـ مفردات الراغب ، مادة (هون).