يوجد في بطنها ومفهومها في الأصل.
وعلى أيّة حال فإنّ الآية الشريفة تدل بوضوح على أهمية التواضع وسمو مقام المتواضعين ، ذلك التواضع الّذي ينبع من أعماق الإنسان ويمتد إلى وجدانه ليذيع في النفس احترام الطرف الآخر المؤمن ويتحرّك معه من موقع المودّة والتسليم والانعطاف مع الطرف الآخر.
في «الآية الثانية» نجد إشارة أيضاً إلى الصفات البارزة والفضائل الأخلاقية لجماعة من عباد الله تعالى الّذين وصلوا في سلوكهم المعنوي إلى مرتبة عالية من الكمال الإنساني والإلهي ، حيث نقرأ في آيات سورة الفرقان من الآية ٦٣ إلى الآية ٧٤ اثنا عشر فضيلة مهمة وكبيرة لهؤلاء الأشخاص ، والملفت للنظر أنّ أول صفة تذكرها الآية لهؤلاء هي صفة التواضع ، وهذا يدلّ على أنّ التكبّر كما يمثل أخطر الرذائل الأخلاقية فكذلك التواضع يمثل أهم الفضائل الأخلاقية في واقع الإنسان وحركته الإجتماعية والمعنوية حيث تقول الآية (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً).
(هون) مصدر بمعنى الهدوء والليونة والتواضع ، واستعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل هنا لغرض التأكيد ، أي أنّهم يعيشون التواضع والهدوء إلى درجة وكأنهم عين التواضع ، ولهذا السبب تستمر الآية في سياقها بالقول (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) ؛ أي لو واجههم الجهلاء والأراذل من الناس من موقع الشتيمة والكلام الباطل فإنّ جوابهم لا يكون إلّا بعدم الاعتناء وغض الطرف من موقع عظمة شخصيتهم وكِبَر نفوسهم.
وفي الآية الّتي تليها وبعد أن يتم الحديث عن التواضع مع الآخرين من الناس يتحدّث القرآن الكريم عن تواضعهم أمام الله تعالى ويقول (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً).
ويقول الراغب في كتابه «مفردات القرآن» : الهوان على وجهين ، أحدهما : تذلل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة ، فيمدح به (ثم يورد الآية محل البحث) ونحو ما روي عن