للمروءة ليسقطوا في أنظار الناس ، مثلاً لا يهتمون بأمر العبادة وقد يرتكبون الخيانة في أمانات الناس بحيث يتركهم الناس ، وبهذه الطريقة يتصورون أنّ هذا الاسلوب هو نوع من التواضع ورياضة النفس.
بينما نجد أنّ الإسلام لا يُبيح للإنسان تحقير نفسه وإذلالها باسم التواضع ولا يرضى بأن يتحرّك الإنسان لإسقاط شخصيته وكرامته وسحقها ، فالمهم أنّ الإنسان في عين ممارسة التواضع يحفظ شخصيته الإجتماعية ولا يذل نفسه ، فلو أنّ الإنسان سعى للتحلي بالتواضع بصورته الصحيحة فليس لا يجد هذه الآثار السلبية فحسب بل على العكس من ذلك ، فإنّ احترامه وشخصيته ستزداد وتتعمق في أنظار الناس ، ولهذا ورد في الروايات الإسلامية عن أمير المؤمنين أنّه قال «بِالتَّوَاضُعِ تَكُونُ الرَّفْعَةُ» (١).
ويقول الفيض الكاشاني تحت عنوان غاية الرياضة في خلق التواضع : «اعلم إنّ هذا الخلق كسائر الأخلاق له طرفان وواسطة ، فطرفه الّذي يميل إلى الزيادة يسمى تكبراً ، وطرفه الّذي يميل إلى النقصان يسمى تخاسساً ومذلة ، والوسط يسمى تواضعاً ، والمحمود أن يتواضع في غير مذلة ومن غير تخاسس ، فإنّ كلا طرفي قصد الامور ذميم ، وأحب إلى الله تعالى أوساطها. فمن يتقدم على أمثاله فهو متكبر ، ومن يتأخر عنهم فهو متواضع ، أي أنّه وضع شيئاً من قدره الّذي يستحقه ، والعالم إذا دخل عليه اسكاف فتنحى له عن مجلسه وأجلسه فيه ثم تقدم وسوى له نعله وغدا إلى الباب خلفه فقد تخاسس وتذلل ، وهذا أيضاً غير محمود بل المحمود عند الله العدل وهو أن يعطي كل ذي حقّ حقّه ، فينبغي أن يتواضع بمثل هذا لأمثاله ولمن بقرب من درجته ، فأما تواضعه للسوقي فبالقيام والبشر في الكلام والرفق في السؤال وإجابة دعوته والسعي في حاجته وأمثال ذلك ، وأن لا يرى نفسه خيراً منه بل يكون على نفسه أخوف منه على غيره ، فلا يحتقره ولا يستصغره وهو لا يعرف خاتمة أمره وخاتمته» (٢).
__________________
(١) الفهرست الموضوعي لغرر الحكم ، ج ٧ ، ص ٤٠٥ ، طبعة جامعة طهران.
(٢) المحجّة البيضاء ، ج ٦ ، ص ٢٧١ (مع التلخيص).