٢ ـ وهذا المعنى والمضمون نجده بصورة اخرى في نهج البلاغة في عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر حيث أوصاه الإمام أن يحذر ويتجنب من استشارة البخلاء والجبناء وأهل الحرص والطمع فقال «انَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزٌ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ» (١).
فالشخص الّذي يحسن الظن بالله تعالى وقدرته المطلقة على الوفاء بالعهد وتأمين الرزق للعباد فإنه سوف لا يحرص أبداً على جمع الأموال والثروات.
الإنسان الّذي يعيش حالة التوكّل على الله ويؤمن بألطافه وعناياته فإنه لا يخشى غيره ولا يخاف أيّة قوّة غير قوته المطلقة.
والإنسان الّذي يأمل دائماً برحمة الله تعالى ولطفه فإنه لا يجد في نفسه بخلاً اطلاقاً.
أجل فإنّ المؤمن الكامل في توحيده وإيمانه بالله تعالى وبأسمائه وصفاته الحسنى فإنه لا يمكن أن يتلوث بهذه الخصال الثلاثة القبيحة والرذيلة رغم انها تشترك في الباطل بأصل واحد (ولهذا السبب نجد أحياناً انها تسمّى باسم غريزة واحدة وأحياناً اخرى بأسماء مختلفة لأنها متعدّدة في الظاهر ولكنها متحّدة في الباطن).
٣ ـ إنّ الحرص على الدنيا وملذاتها وزخارفها بإمكانه أن يورث الإنسان التعب والشقاء ويورّطه في السعي الدائب لتأمين رغباته الوهمية ، وقد ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين أنّه قال «الْحِرْصُ مَطِيّةُ التَّعَبِ» (٢).
٤ ـ وفي حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين أيضاً أنّه قال : «الْحِرْصُ عَنَاءٌ مُؤَبَّدِ» (٣).
وعند ما ندرس حالات الّذين يعيشون الحرص والطمع في حركة الحياة نرى مدى التعب والشقاء الّذي يعيشه هؤلاء ليل نهار في سبيل جمع الأموال والزخارف الدنيوية من دون الاستفادة منها ، وهذا شاهد صدق على الحديث المذكور آنفاً.
٥ ـ الإنسان الحريص لا يجد طعم الشبع أبداً ، ولهذا السبب فهو دائماً يسعى لجمع
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.
٢ ـ غرر الحكم ، ح ٨٢٠ ، ميزان الحكمة ، ج ١ ، ص ٥٨٦ ، رقم ٣٥٩٦.
٣ ـ غرر الحكم ، ح ٩٨٢ ، ميزان الحكمة ، ج ١ ، ص ٥٨٦ ، رقم ٣٥٩٢.