ويقول في مكان آخر (... فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ)(١).
وهذه التعبيرات تدلّ على أنّ زخارف الدنيا وبريقها الخادع يُعد أحد الموانع المهمة للتكامل المعنوي والصعود في درجات الكمال الإلهي للإنسان وما دام هذا المانع موجوداً فإنه لا يصل إلى شيء من هذه الكمالات المعنوية.
إنّ الحياة الدنيا مثلها كمثل السراب الّذي يجذب العطاشى نحوه في الصحراء المحرقة ولكنهم لا يحصلون على شيء منه أخيراً ، وهكذا حال التعلقات المادية الدنيوية فإنّها تجذب أصحاب الدنيا نحوها طمعاً في إرواء ظمأهم وعطشهم إلّا أنّهم لا يجدون ما يطلبونه في هذا المسير المنحرف بل يزدادون ظمأً وحُرقة ، وكما أنّ السراب يبتعد عن الإنسان كلّما مشى نحوه وهكذا يظل يركض وراء السراب حتّى يهلك ، فكذلك الدنيا تبتعد عن الإنسان كلّما اتّجه نحوها فتزيده عطشاً لها وارهاقاً حتّى يهلك.
ونرى هذه الحالة في الكثير من أصحاب الدنيا الّذين يركضون وراء متاع الدنيا وزخارفها سنوات مديدة من عمرهم وعند ما يحصلوا على شيء منها فانهم يصرّحون بأنّهم لم يجدوا ضالّتهم إلّا وهي (الهدوء النفسي والطمأنينة الروحية) بل يعيشون الجفاف الروحي أكثر ويجدون أنّ ملذات الحياة الدنيا تقترن دائماً مع الاشواك والمنغصات وبدلاً من أن تورثهم الهدوء والطمأنينة فإنّها تعمل على إذكاء حالة القلق والاضطراب في جوانحهم وأعماق وجودهم وبذلك لا يجدون مبتغاهم فيها.
٣ ـ وهناك طائفة اخرى من الآيات الكريمة الّتي تقرر لنا هذه الحقيقة ، وهي أنّ الانجذاب نحو زخارف الدنيا وزبارجها يؤدي إلى أن يعيش الإنسان الغفلة عن الآخرة ، أي أن يكون الشغل الشاغل له وهمه الوحيد هو تحصيل هذه الزخارف الخادعة ، فتقول الآية الشريفة : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ)(٢).
__________________
١ ـ سورة لقمان ، الآية ٣٣.
٢ ـ سورة الروم ، الآية ٧.