بلا شك أن هذهِ الأعمال وما شابهها قد تكون من الموارد المحرمةً قطعاً وفي اخرَى من المكروهات ، ولم يبيح الشارع المقدس أبداً أن يضع الإنسان المسلم نفسه في هذهِ المواضع حتى يلوّث سمعته ويسقط من أعين الناس ، وكما أنّ سوء الظن بالناس محرم في الاسلام ، فكذلك توفير عوامل سوء الظن هو بدوره من المحرمات.
وعليه يجب أن تكون الطرق في تهذيب الأخلاق مشروعة ومطابقة للموازين الإسلامية والعقلية ، ومع وجود الطرق الشرعية لا داعي لسلوك السبل غير المشروعة.
والعجيب في الأمر أن المرحوم «الفيض الكاشاني» عند ما ذكر تلك الامور عقّب قائلاً : إنّ وضع الشراب المحلل في آنية توهم الناظر بالشرب للمحرم هو محل تأملٍ من الناحية الفقهية ولكن أهل الحب والهوى يمكن أن يعالجوا أنفسهم بامورٍ لا يفتي بها الفقيه أبداً ، ويعتبرونها من طرق إصلاح القلب ، فبعد ارتكابهم لتلك الذنوب «الصورية» كانوا يجبرونها بالأعمال الخيريّة ، وبعدها يذكر قصة سارق الحمّام (١).
لو كان هذا الكلام من بعض المتصوفة لما كان محلاً للتعجب ، ولكن يصدر من فقيه معتبر كالفيض الكاشاني ، فهو غير متوقع منه ، فالتسلط على أموال الآخرين ولبس ثياب شخص آخر في الحمام هو من الذنوب القطعية ، وهو ليس بالذنب الصوري ، وارتكاب الذنب لا يناسب أهل الحب والهوى ولا يُصلح القلب ، علاوة على ذلك فمع وجود الطرق المشروعة فما الداعي للتوسل بتلك الطرق الملتوية؟
والأقرب للحق أنّ هذا العالم الكبير تأثر بكلمات الغزالي في كتابه «احياء العلوم» فالغزالي لديه كثير من هذهِ الشطحات في دائرة السلوك والممارسة الصوفية ، ولعل قصد المرحوم الفيض الكاشاني هو نقل الكلام عن الغزالي وليس تأييداً لمثل تلك السلوكيات.
وهناك فرقة «الملامتية» (٢) وهي من الفرق الصوفية المعروفة ، حيث انتخبوا تلك
__________________
١ ـ المحجة البيضاء ، ج ٦ ، ص ١٣٠.
٢ ـ الملامتية ، هم طائفة من المتصوفة ظهروا في القرن الثالث الهجري وما بعده في خراسان ، فكانت عقيدتهم أنّ سوء الظن بالنفس هو من اولى الخُطى للوصول إلى حسن الظن بالله تعالى واصل المعرفة ، فكانوا يخالفون الصوفية