ونشاهد هذا المعنى في حالات وسيرة القادة الإلهيين حيث يشكرون الآخرين على أيّة خدمة مهما كانت ضئيلة ويجزلون العطاء على أقل نعمة تصل إليهم من الغير ومن ذلك ما ورد في قصة احدى جواري الإمام الحسين عليهالسلام التي أهدت له وردة جميلة فما كان من الإمام عليهالسلام إلّا أن أعتقها جزاء صنيعها هذا ، وعند ما سئل عن سبب ذلك وأنّ هذا الجزاء الكبير لا يتلاءم مع تلك الخدمة الصغيرة من الجارية قال : «كذا أدّبنا الله» (١).
وكذلك القصّة المعروفة الاخرى عن الثلاثة الكرام وهم الإمام الحسن عليهالسلام والإمام الحسين عليهالسلام وعبد الله بن جعفر الذين كانوا في قافلة فتأخروا يوماً عنها فلجأوا في الصحراء إلى خيمة عجوز منفردة فسقتهم الماء وأطعمتهم من لحم الشاة الوحيدة لديها فلّما انتهوا من الطعام وأرادوا الرحيل عنها قالوا لها : إذا وردت المدينة فأتي إلى دورنا لنجازيك على هذه الخدمة الكبيرة ، ثم مضت أعوام من القحط الشديد في تلك الصحراء إلى درجة أنّ الأعراب وأهل الخيام في تلك الصحراء جاءوا إلى المدينة طلباً للطعام والغذاء ، وفي أحد الأيّام وقعت عين الإمام الحسن عليهالسلام على تلك العجوز في أزقّة المدينة تطلب لها طعاماً ، فناداها الإمام وذكّرها بنفسه وأنّه قدم عليها مع أخيه وابن عمّه إلى خيمتها فاطعمتهم من ذلك الطعام ولكن العجوز لم تتذكر شيئاً ورغم ذلك فإنّ الإمام قال لها : إذا لم تذكري ذلك فأنا أذكره ثم إنّه وهب لها مالاً كثيراً وأغناماً كثيرة وبعثها إلى أخيه الإمام الحسين عليهالسلام ، فقام الإمام الحسين عليهالسلام بمثل ما قام به أخيه الإمام الحسن عليهالسلام من العطاء والكرم إلى هذه المرأة الكريمة ، ثم أرسلها إلى عبد الله بن جعفر الذي صنع مثل ما صنع الحسن والحسين عليهماالسلام حتى أنّ هذه المرأة (صارت من أغنى الناس) كما ورد في ذيل الحديث (٢).
ونقرأ أيضاً قصّة (شيماء) بنت حليمة السعدية واُخت النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله من الرضاعة حيث حباها النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وتقدّم لها بفائق الاحترام والشكر جزاء للخدمة التي تقدّمت بها امّها حليمة السعدية للنبي صلىاللهعليهوآله في طفولته ، فقد ذكر المؤرخون بأنّ طائفة كبيرة من قبيلة
__________________
١ ـ بحار الانوار ، ج ٤٤ ، ص ١٩٥ ونقل مثلها عن الإمام الحسن عليهالسلام.
٢ ـ نور الابصار ، محمد الشبلنجي المصري (مع التلخيص) ؛ بحار الانوار ، ج ٤٣ ، ص ٣٤٨.