فجائز أن يكون الكلمات هي التي بشرت بها مريم من قوله : (إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ) [آل عمران : ٤٥] ، وقوله : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) [آل عمران : ٤٣] ، وقوله : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) [آل عمران : ٤٢] ، وقوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم : ٢٥] ، فصدقت بجملتها أنها من عند الله ، لا شيء ألقى إليها الشيطان.
أو (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها) أي : بحجج ربها وبراهينه ؛ لقوله : (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) [يونس : ٨٢] ، أي : بحججه : وأدلته.
ثم تكون الحجج حجج البعث أو حجج الرسالة أو الوحدانية ، أو يكون (١) قوله : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها) ، أي : بالكلمات التي يستعاذ بها من الشرور ، فصدقت أنها تعيذ من تعوذ بها ، والله أعلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَكُتُبِهِ) ، وقرئ وكتابه.
وفي تصديقها بالكتاب تصديق منها بالكتب ؛ لأن من آمن بكتاب من كتب الله تعالى ، فقد آمن بسائر كتبه ؛ لأنها يوافق بعضها بعضا ، ومن آمن بكتبه فقد آمن بكل كتاب له على الإشارة إليه ؛ فثبت أن في الإيمان بكتاب إيمانا بسائر الكتب ، فكل واحدة من القراءتين تقتضي معنى القراءة الأخرى ؛ فإن قوله : بكتابه أي بالإنجيل ، وقوله بكتبه أي : بالإنجيل وسائر الكتب المتقدمة المنزلة من عند الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ).
قيل : من المصلين ؛ لأنه قال في آية أخرى : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران : ٤٣] وإذا وصف الصلاة ، فالتزمت (٢) هذا الأمر ؛ فصارت من القانتين.
وقيل (٣) : أي : من المطيعين لربها ، والله أعلم بالصواب.
* * *
__________________
(١) في أ : أي ويكون.
(٢) في ب : فألزمت.
(٣) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٤٤٧٥) و (٣٤٤٧٦) وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٣٧٨).