وقوله : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) [الملك : ٣] فخلق تلك [الأشياء] كلها ؛ ليمتحن أهلها [بها](١) ، فعلى ذلك خلق الأرض ذلولا ليبلوكم بها.
ويحتمل أن يكون هذا صلة قوله : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك : ٣] فأمر هناك بالنظر مرة بعد مرة هل ترى فيه تفاوتا أو فطورا ؛ ليتبين عنده إذا لم ير فيه تفاوتا ولا فطورا وحدانية الرب وقدرته وسلطانه وحكمته ، فأمرهم ـ أيضا ـ بالمسير في الأرض والمشي في مناكبها وهي أطرافها ـ هل يرون فيها فطورا أو تفاوتا؟ فإذا (٢) لم يروا فيها شيئا من ذلك ، تقرر عندهم بجميع ما ذكرنا من الحكمة هناك ، فهو في قوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) موجود ؛ ولأنه ذكرهم لطيف خلقه وتدبيره في خلق الأرض ، وما له على الخلق من [عظيم النعمة](٣) في حقهم ، وهو أنه قدر لهم فيها أرزاقهم إلى حيث يمشون فيها ، وهيأ لهم الرزق هنالك ، ولا يحتمل أن يذلل لهم الأرض ؛ فيضربون فيها حيث شاءوا ويستخرجون منها أقواتهم أينما تصرفوا عبثا باطلا ، بل لا بد أن يستأديكم شكر ما أنعم عليكم به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ).
هذه الآية في موضع المحاجة على منكري البعث ، فكأنه يقول ـ والله أعلم ـ : إذا أنكرتم البعث وقد عرفتم الفرق بين العدو والولي وبين المطيع والعاصي ، فكيف أمنتم عذابه في الدنيا أن ينزل بكم من فوق رءوسكم أو من تحت أرجلكم.
أو قد عصيتموه وعاديتموه بتكذيبكم رسوله واختياركم عبادة غيره ، فكيف أمنتم نزول عذابه عليكم في حالتكم هذه ، وأنتم لا تقرون بالآخرة ؛ ليتأخر عنكم العذاب؟!
ثم قوله : (أَأَمِنْتُمْ) أي : قد أمنتم.
والثاني : أنكم كيف أمنتم عذاب الله تعالى وأنتم تنكرون البعث ؛ لتكون المحنة في الدنيا للجزاء في الآخرة ، وهم يرون المحنة في الدنيا للجزاء في الدنيا ؛ لأنهم كانوا يزعمون أن من وسع عليه في رزقه والنعيم في الدنيا فإنما وسع جزاء لعمله ، ومن ضيق عليه العيش فإنما ضيق عقوبة له بما أساء من عمله ، كما قال الله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) [الفجر : ١٥ ، ١٦] ، فكانوا يعدون التضييق والتوسيع في الدنيا جزاء لصنيعهم ، وكانوا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : وإذا.
(٣) في ب : عظم النعم.