وجائز أن يكون نسبوه إلى الاغترار فيما (١) كان يدعي من الرسالة ، ويزعمون أنه مغتر بها ، ويغر بها غيره كما قال المنافقون : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [الأحزاب : ١٢] ، فحق (٢) هذا عندنا ألا يتكلف تفسيره ؛ لأنه قال : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ. بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) ، فذكر هذا جوابا عما وقعت فيه الخصومة ، فكانوا يزعمون أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو المفتون ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكر أنهم هم المفتونون ، فخرج هذا جوابا عن تلك الخصومة : أنهم وأنت ستبصرون ، وقد وقعت الخصومات من أوجه :
فمرة كانوا يدعون أنه ساحر ، ومرة [كانوا](٣) يدعون أنه مجنون ، ومرة بأنه ضال ، ومرة أنه مفتر وغيرها من الوجوه ، فإذا ثبت أن الآية نزلت في حق الجواب فما لم يعلم بأن الخصومة فيم (٤) كانت ، لم يعلم إلى ما ذا يصرف الجواب ، والله أعلم.
ويشبه أن تكون الخصومة الواقعة في الضلال والهدى ، فكانوا يدعون أنهم على الهدى ، وأنهم بالله أحق وإليه أقرب من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يدعي أنهم على (٥) الضلال ، وأنه على دين الحق والهدى ، يدل على ذلك ذكر الضلال والهدى بعد ذكر المفتون ، وهو قوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
ثم هذه الآيات كأنها نزلت جوابا من الله تعالى عما كان يحق لمثله الجواب [عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم](٦) ولكن الله تعالى لما امتحن رسوله صلىاللهعليهوسلم بالعفو والإعراض عن المكافأة في الجواب ، تولى الله تعالى الجواب عنه بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ) ، [أي : قد تعلمون أن ربكم أعلم](٧)(بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، وسنبين لكم ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) ، وقال في موضع آخر : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] ، ليس في قوله : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) أمر من الله تعالى (٨) بأن يطيع المصدقين ؛ لأن من صدقه وآمن به [لا يجوز له](٩) أن يتقدم بين يديه فيأمره أو ينهاه عن
__________________
(١) في ب : فما.
(٢) في ب : وحق.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : في ما ذا.
(٥) في ب : هم.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.
(٨) زاد في ب : أمر له.
(٩) في أ : ليجوز.