في الدنيا بتبجيل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتعظيمه ، فلما أساءوا صحبته عاقبهم بما ذكرنا ، ووسع على أصحاب الجنة فامتحنهم بما وسع عليهم بأن يوسعوا على غيرهم ، فلما امتنعوا عن ذلك عوقبوا بزوال النعمة عنهم ، وعوقب هؤلاء بزوال العز عنهم ، وأذاقهم الله لباس الجوع والخوف ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ).
فقوله : (مُصْبِحِينَ) أي : لأول وقت ينسب إلى الصباح ، وذلك يكون في آخر الليل ، كما يقال : ممسين ، لأول وقت ينسب إلى المساء ، وإذا كان كذلك فالانصرام يقع بالليل ؛ ألا ترى إلى قوله : (لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) ، وهم لا يملكون بعد مضي الليل منع المساكين عن الدخول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَسْتَثْنُونَ).
قيل : أي (١) : لا يقولون : إن شاء الله ، وقيل : لا يقولون : سبحان الله ، فإن كان على هذا ، ففيه أن التسبيح كان مستعملا في موضع الاستثناء ، وقد يجوز أن يؤدي معنى الاستثناء ؛ لأن في التسبيح تنزيه الرب تعالى ، وفي الاستثناء معنى التنزيه ؛ لأن فيه إقرارا أن الله تعالى هو المغير للأشياء والمبدل لها.
ثم أصحاب الجنة بقسمهم قصدوا قصدا يلحقهم العصيان فيه ، وكان عهدهم الذي عاهدوا عليه معصية (٢) وعوتبوا بتركهم الاستثناء ، ففيه دلالة أن الله تعالى يوصف بالمشيئة ، لفعل المعاصي ممن يعلم أنه يختارها ؛ لأنه لو لم يوصف به ، لم يكن لمعاتبته إياهم بتركهم الاستثناء معنى ؛ إذ لا يجوز استعمال الاستثناء فيما لا يجوز أن يوصف به الرب جل وعزّ ، ألا ترى [أنه] لا يستقيم أن يقال : إن شاء الله جار وإن لم يشأ لم يجر ، وإن شاء ضل وإن شاء لم يضل ، وإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل ، فلو لم يوصف أيضا بإضلال من يعلم منه أنه يؤثر الضلالة ، لم يجز أن يلاموا على ترك الاستثناء ، ولا مدخل للاستثناء فيه ، والذي يدل على صحة ما ذكرنا قوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام : ٣٦] ؛ فتبين أنه يشاء إضلال من ذكرنا.
وفيه دلالة أن خلق الشيء غير ذلك الشيء ؛ لأنه يستقيم أن يوصف الله تعالى بالإضلال ، ولا [يجوز أن](٣) يوصف بالضلال وإن كان الإضلال خلقا له ، ويوصف أنه
__________________
(١) في ب : يعني.
(٢) في ب : معصيته.
(٣) سقط في ب.