لم يكن الجزاء سيئة ، كما سمى جزاء الاعتداء اعتداء ، فكذلك سمي جزاء الكيد كيدا على هذا المعنى ، لا أن يكون ذلك منه كيدا في الحقيقة.
أو نقول بأن الذم إنما يلحق الماكر والكائد إذا استعمله في وليه وصفيه ، فأما إذا مكر بعدوه وكاد به ، فذلك مما لا بأس به ، ولا يذم عليه فاعله ، وما أضيف من الكيد إلى الله تعالى ؛ فذلك حال بأعدائه ليس بأوليائه ؛ فلم يكن فيه إلحاق معنى مكروه بالله تعالى.
ثم الأصل أن ينظر في الفعل لما ذا أضيف إلى الله تعالى بحقيقة أم بمجاز؟ فإن كانت الإضافة بحكم (١) المجاز ، فلا يجعل ذلك اسما له ؛ لأنه لا يجوز أن يقال : هو كاتب ، نافخ روح ، ولا كائد ، ولا ماكر ؛ إذ لا يتحقق ذلك منه ، وما كانت إضافته لأجل التحقيق فإنه يستقيم أن يسمى به ؛ لأنه يستقيم أن نسميه : منعما مفضلا خالقا ، رحمانا ؛ إذ الإنعام والإفضال والخلق موجود منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَتِينٌ) أي : قوي ثابت ، فقوله تعالى : (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أي : كيدي لأوليائي على أعدائي ثابت ، ليس ككيد الأعداء ؛ لأن كيد الأعداء بكيد الشيطان ، وكيد الشيطان ضعيف ، كما قال ـ عزوجل ـ : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) [النساء : ٧٦].
والأصل أن الكيد الذي أضيف إلى الله تعالى حق ، والحق قوي ثابت لا مدفع له ، وكيد الشيطان باطل ، وليس للباطل قرار ، بل هو كما قال الله تعالى : (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) [إبراهيم : ٢٦].
وقوله : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ).
الأصل أن الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لم يكونوا يدعون الخلق إلى ما يستثقله عقل أو طبع ، بل كانوا يدعونهم إلى ما يخف ويسهل على الطبع والعقل ؛ ليكون أقرب إلى الإجابة له ؛ لأنهم كانوا يدعونهم إلى التوحيد ، وهم كانوا يعبدون غير واحد من الآلهة ، وعبادة الواحد أيسر من عبادة عدد ، وكانوا يدعونهم إلى الصدق وإلى مكارم الأخلاق ، والإجابة بمثله أمر يسير ؛ فيقول : أحملت عليهم أجرا فثقل عليهم ذلك حتى تركوا الإجابة لك مع تيسيره عليهم ، فيخرج ذكر هذا مخرج تسفيه أحلامهم.
وقوله ـ تعالى ـ : (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ).
فهذا يحتمل أوجها :
أحدها : أن عندهم علم الغيب ، فهم يكتبون ، فهذا بالذي ادعوا أنا نجعل المسلمين
__________________
(١) في أ : بحق.