علمك ولا علم قومك ، لكن الله تعالى أطلعك عليه ؛ لأن قومه كانوا منكري البعث ولم يكن عندهم من خبره شيء ، وذلك أن الله تعالى لما ذكرهم من دلائل البعث إلى جهة تدركها العقول ، والحكمة من إحالة التسوية بين [الفاجر والبر](١) والمطيع والعاصي ، وأنه لا يجوز خروج كون هذا العالم عبثا باطلا ، والدلائل الأخرى (٢) التي لا يأتي عليها الإحصاء ، فلما لم يقنعهم ذلك ، ولم يتفكروا في خلق السموات والأرض ، ولا اعتبروا بالآيات ، احتج عليهم بما لقي سلفهم من مكذبي البعث ومنكري الرسل ، حيث استأصلهم ، فلم يبق لهم سلف ، ولا خلف عنهم خلف ؛ ليكون ذلك أبلغ في الإنذار وذلك قوله : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) ، ذكرهم بما حل بثمود وعاد وما أصابهم بتكذيبهم الرسل ، يقول : سيصيبكم بتكذيبكم محمدا صلىاللهعليهوسلم فيما يخبركم من الأنباء عن الله تعالى كما يصيبهم ما أصاب ثمود وعادا بتكذيبهم رسلهم ؛ لينتهوا عن تكذيبه.
أو يخبرهم (٣) أن ثمود وعادا كذبوا رسلهم حتى صاروا إلى الهلاك ، وندموا على ما سبق من تكذيبهم ، فستندمون أيضا إن دمتم على تكذيبكم محمدا صلىاللهعليهوسلم فيما يأتيكم من الأنباء بعد موتكم ، ثم ذكرهم نبأ عاد وثمود وإن كانوا مكذبين بتلك الأنباء ؛ لئلا يبقى لهم يوم القيامة حجة فيقولوا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) [الأعراف : ١٧٢] ولأنهم لو بحثوا عن علم ذلك ، لكانت هذه الآيات والأنباء تحقق لهم (٤) ذلك ، فقد وقعت هذه الآيات موقع الحجاج ، لو لا إغفالهم وإعراضهم عنها ، فانقطع عذرهم ، ولزمتهم الحجة وإن تركوا الإيمان بها.
ثم قوله ـ عزوجل ـ (الْحَاقَّةُ. مَا الْحَاقَّةُ. وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ. كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) ، وقوله : (الْقارِعَةُ. مَا الْقارِعَةُ. وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ. يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) [القارعة : ١ ـ ٤] يحتمل أن يكون هذا مخاطبة كل مكذب بالبعث لا مخاطبة الرسول (٥) ؛ كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : ٦] إنه خطاب لمن يغتر بالدنيا لا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وجائز أن [يكون](٦) يخاطب به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن صرف الخطاب إلى الرسول ـ عليهالسلام ـ اقتضى معنى غير ما يقتضيه لو أريد بالخطاب المكذبون ، والأصل أن قول
__________________
(١) في ب : البر والفاجر.
(٢) في ب : الآخر.
(٣) في أ : يخبر.
(٤) في ب : علم.
(٥) في ب : للرسول.
(٦) سقط في ب.