عمل النفخ ؛ لأن الريح إذا نفخت في وعاء سرت فيه وانتشرت ، فكنى عن دخول الروح في الجسد بالنفخ ؛ إذ ذلك عمله ، وكنى بالنفخ عن خروج الروح من الأجساد لهذا ، وعلى هذا تأويل قوله : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [التحريم : ١٢] ليس على حقيقة النفخ ؛ ولكن عمل الروح فيها عمل النفخ ، فقيل ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي الصُّورِ) قيل : الصور : هو القرن ينفخ فيه النفخة الأولى ؛ فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم ينفخ [فيه](١) مرة فإذا هم قيام ينظرون.
ومنهم من يقول : أي : نفخ الروح في صور الخلق ؛ لكن جمع الصورة : الصور ، بنصب الواو ؛ فلا يحتمل أن يكون المراد منه : جمع الصورة ، لكنه يجوز أن يكون الله ـ تعالى ـ جعل نفخ الصور سببا لإفنائهم وإحيائهم ، لا أنه يعجزه شيء عن الإفناء والإحياء ما لم ينفخ في الصور ، لكنه جعله سببا لنوع الحكمة (٢) والمصلحة أو لمحنة ذلك الملك والابتلاء ؛ على ما عرف من أنواع المحن في الملائكة من إنزال المطر (٣) ، وتسيير السحاب ، وجعلهم الموكلين على أعمال بني آدم ، وغير ذلك.
وقوله : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) كسرتا كسرة واحدة.
وقيل : هدمتا هدمة واحدة.
وقال بعضهم (٤) : زلزلتا زلزلة واحدة ؛ فكأنه يقول ـ والله أعلم ـ : تتزلزل الأرض ، فتقذف ما في بطنها من الفضول ، وتخرج ما فيها من الجواهر التي ليست منها بتلك الدكة ، وتخرج أصول الجبال منها ، ثم يجعله الله ـ تعالى ـ كثيبا مهيلا مثل الرمل ، ثم يعمل عليه الريح فيجعله هباء منثورا ، وتراه من لينه كالعهن المنفوش ، ثم يسير مثل السحاب ، فيقع في شعاب الأرض والأودية والأماكن المختلفة ؛ فتصير الأرض كما قال ـ تعالى ـ : (فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً. لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٦ ، ١٠٧] ، وهكذا الريح إذا عملت على شيء وتقع عليه ، تفرقه في النواحي ، وتسوي به الشقوق ، وتبسطه على وجه الأرض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ) ليس أنها تحمل من مكان إلى مكان ، ولكن تدخل هذه في هذه ، وتضرب هذه على هذه بالدكة ؛ فتصير كأنها حملت لذلك ، وإذا كان
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : الحكم.
(٣) في ب : الأمطار.
(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه الطستي عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٠٨).