كذلك ، فقد وقعت الواقعة يومئذ ، وهذا على اختلاف الأوقات ؛ ليكون معنى الآيات (١) التي جاءت في الجبال على السواء ، والله أعلم.
وقيل : في آيات أخر بيان آخر : بيان تقديم فناء الجبال قبل الأرض بقوله : (يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً. فَيَذَرُها) [طه : ١٠٥ ، ١٠٦] ، أي : يذر الأرض (قاعاً صَفْصَفاً) [طه : ١٠٦] وغيرها من الآيات ؛ مما يدل على تقديم فناء الجبال قبلها ، فإما أن يكون معنى تبديل الأرض تغييرها عن الحالة التي هي عليها اليوم من انهدام البنيان ، واستواء الأودية ، وإزالة الجبال ؛ على ما جاء في الأخبار ، فسمي لذلك : تبديلا ؛ كما يقال لمن تغير عن الحالة الحسنة إلى غيرها : تبدلت ، يراد : [أي : تغيرت عن حالتك](٢) ؛ فعلى ذلك معنى الآية ؛ أي : تكسر الجبال ، وتتغير حالة الأرض في دفعة واحدة.
أو يكون في الآية إخبار عن شدة الفزع في ذلك اليوم أن [يدكه دكة](٣) واحدة ؛ تفني الجبال والأرض ، وإن كان إفناء الجبال قبل إفناء الأرض ، ليس أنهما يفنيان جميعا بدفعة واحدة ، لكن بالدكة الواحدة تهلك الجبال والأرض ؛ فيكون المراد بيان شدة اليوم وهوله ؛ لا بيان ترتيب فناء البعض (٤) على البعض ، والله أعلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) وهو الحساب والجزاء ؛ كقوله : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) [الذاريات : ٦] وأدخلت الهاء في أسماء القيامة تعظيما لشأنها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) قال بعضهم : تفرقت ، وهكذا الشيء إذا انشق تفرق وتباين ، وبه يظهر الشق.
ويحتمل أن يكون الشق كناية عن اللين ؛ أي : تلين بعد صعوبتها ، دليله :
قوله ـ عزوجل ـ : (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) أي : ضعيفة بعد ما كانت تنسب إلى الصلابة ، ويدل على ذلك قوله : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) [الأنبياء : ١٠٤] وإنما يطوى الشيء في الشاهد بعد ما يلين في نفسه.
وجائز أن تنشق السماء لنزول أهلها ، فلا يبقى فيها إلا الملائكة الذين على أطرافها ، ثم تنضم [فتبين](٥) للطي ، والله أعلم.
__________________
(١) في ب : الأوقات.
(٢) في ب : تغيرت حالتك.
(٣) في ب : بدكة.
(٤) في أ : الأرض.
(٥) سقط في ب.