وقوله ـ عزوجل ـ : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي : في حياة راضية ، [يقال](١) : عاش وحيا بمعنى واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (راضِيَةٍ) بمعنى : مرضية معناه ، أن نفسه في حياة ترضى بها ؛ كقوله : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] أي : مدفوق ، ومثله في الكلام كثير.
ويجوز أن يكون المراد : نفس الجنة قد رضيت بأهلها ، وأظهرت رضاها بهم ، كما وصفت الجحيم بالسخط والتغيظ على أهلها ، فجائز مثله في الجنة رضاء واستبشارا ، أي : على معنى أن الجنة تظهر لهم من أنواع الكرامات والخيرات ما لو كان ذلك من ذي العقل يكون ذلك دليل الرضاء ، كما يضاف الغرور إلى الدنيا ، وهي أنها تظهر من نفسها ما لو كان ذلك ممن يملك التغرير ، يكون ذلك غرورا من نفسها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) قال بعضهم : مرتفعة ، على ما يستحب في الدنيا من الجنان في ربوة من الأرض مرتفعة.
وقال بعضهم : الجنة : اسم لروضة ذات أشجار ؛ فكأنه يصف أشجارها بالارتفاع والطول والمنظر ، وذلك أشهى إلى أربابها ، وهذا كما قال : (قُطُوفُها دانِيَةٌ) من غير ذكر الأشجار ؛ لأن ذكر الجنة اقتضى ذكر الأشجار.
والثالث : يكون معنى العالية ، أي : عظيمة القدر والخطر مرتفعة ، وقد يوصف الشيء الرفيع بالعلو ، والله أعلم.
ثم قوله ـ تعالى ـ : (قُطُوفُها دانِيَةٌ) أي : في القطوف متدانية من أهلها لمن يريد قطفها ، وبعيدة لمن لا يريد قطفها.
وقيل : (دانِيَةٌ) ينالها القاعد كما ينالها القائم.
وقيل (٢) : ثمارها دانية ، أي : لا يرد أيديهم منها بعد ولا شوك.
وقوله ـ عزوجل ـ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) تأويله أن يقال لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) إنما جعلتم أيامكم الخالية سلفا في أيام الآخرة ، وسلف الرجل لآخر هو أن يعطيه قرضا ؛ ليأخذ مثله وقت الحاجة إليه ، أو يسلم الرجل رأس ماله في الأشياء التي يأمل منها الربح ، فكأنه بما يشري نفسه يجعلها سلفا ورأس مال ، ليأخذ ربح ما باع في الآخرة ، فذلك هو الإسلاف (٣).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) قاله البراء أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤١٠) وهو قول قتادة أيضا.
(٣) في ب : للإسلاف.