وقد ذكر أسامي في الآخرة ليس للخلق بمعرفتها عهد ؛ ألا ترى أن الزقوم ليس باسم لشيء يستقبح ويستفظع في الدنيا ، ثم جعله الله ـ تعالى ـ اسما للشيء المستبشع الكريه في الآخرة ، وقال (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) [الإنسان : ١٨] ، والسلسبيل غير معروف فيما بين أهل اللسان.
وقال بعضهم (١) : الغسلين : ما يسيل من جلود أهل النار إذا عذبوا ، وذلك هو الصديد والقيح.
وجائز أن يكون إذا اشتد حرهم استغاثوا إلى الله ـ تعالى ـ وطلبوا منه ما يرجون أن يرفع عنهم الحر ، فيصب عليهم ما يزيد في عذابهم ؛ فيسمى ما يزول عنهم : غسلينا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) ، فهم الذين قال : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ).
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) لا يجوز أن تكون السلسلة تفضل عن أبدانهم فتأخذ فضل مكان من جهنم ؛ لأنه ـ تعالى ـ وعد أن يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين ، ولو كانت تلك السلسلة آخذة فضل مكان ، لكان لا يقع الامتلاء بالجنة والناس أجمعين فقط ، فيؤدي إلى خلف الوعد ، والله ـ عزوجل ـ لا يخلف الميعاد ، ولكن إن كانت تلك السلسلة أطول من أبدانهم فهي تدار على أهلها ؛ ليقع لهم بها فضل تضييق وغم ، فأمّا أن تفضل عن أبدانهم فلا يحتمل.
وذكر عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ؛ فإنه أهون ـ أو قال : أيسر ـ عليكم ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتجهزوا للعرض الأكبر يوم القيامة ؛ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) [الحاقة : ١٨]» (٢).
وعن الحسن أنه قال : «إن المؤمن قوام نفسه ، يحاسب نفسه لله ـ تعالى ـ وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ؛ لأن المؤمن يفجؤه الشيء فيقول : والله إني لأستهينك وإنك لمن حاجتي ، ولكن والله ما لي من صلة إليك ، هيهات حيل بيني وبينك ، ويفرط منه الشيء ؛ فيرجع إلى نفسه ، فيقول : ما أردت هذا ، ما لي ولهذا ، والله ما أعذر ، والله لا أعود لهذا إن شاء الله ـ تعالى ـ إن المؤمنين قوم أوثقهم (٣) العذاب ،
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٤٨٢٥ ، ٣٤٨٢٦) ، من طريقين عنه ، وله طرق أخرى ذكرها السيوطي في الدر المنثور (٦ / ٤١٢).
(٢) أخرجه ابن المبارك ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤١٠).
(٣) في ب : أوبقهم.