وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) أي : الذي تسمعونه منه تسمعون من رسول كريم ، ثم ذكر ـ هاهنا ـ أنه قول رسول كريم ، وقال في موضع آخر : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [التوبة : ٦] فذكر ـ هاهنا ـ : كلام الله ، وذكر في الآية [الأولى](١) : أنه قول رسول كريم ، فأما ما أضيف إلى الرسول فهو من حيث بلوغنا إليه من جهة الرسول ، لا بأمر غيره وصلنا إليه ، وأضيف إلى الله ـ تعالى ـ لأن مجيئه وبدأه من عنده ، وأضيف إلى الرسول ؛ لأن ظهوره في حقنا كان به ، وهذا كما أضيف ما وعاه القلب إلى الأذن بقوله : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) [الحاقة : ١٢] ؛ لأنه إنما يوصل إلى الوعي بالأذن ؛ فعلى ذلك أضيف القول إلى الرسول من حيث كان سماع الخلق من جهة الرسول ، عليهالسلام.
ثم الأصل أن [الكلام والقول](٢) لا يسمعان ، وإنما المسموع منهما الصوت الذي يعرف الكلام والقول به ، ويدل عليه ، لا أن يكون كلامه في الحقيقة صوته ، فينسب أيضا هذا القرآن إلى كلام الله ـ تعالى ـ لما يدل على كلامه ، لا أن يكون المسموع ـ في الحقيقة ـ هو كلامه [وجائز أن يكون تأويل قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) ، أي : إن الذي سمعتموه](٣) من النبي صلىاللهعليهوسلم أتاكم به لقول تلقاه من عند الله الرسول الكريم ، فيذكرهم هذا ليؤمنهم من تخليط يقع فيه من الشياطين وغيرهم من الأعداء.
ثم جائز أن يكون الرسول الكريم هو جبريل ـ عليهالسلام ـ كما قال ـ تعالى ـ في سورة : (إذا الشمس كورت) : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) [التكوير : ١٩ ، ٢٠].
ويحتمل أن يكون الرسول الكريم هو محمدا صلىاللهعليهوسلم ، والأشبه أن يكون هو المراد ؛ لأنهم كانوا ينكرون رسالته ، ولم يكونوا يقولون في جبريل ـ عليهالسلام ـ شيئا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أي : إن هذا القرآن لقول رسول كريم ، ليس بقول شاعر ، ولا بقول كاهن.
ثم قوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) يحتمل أن يكون تأويله : فبقليل ما تؤمنون ، وبقليل ما تذكرون مما جاءكم به الرسول ، فالقليل الذي آمنوا به وتذكروا فيه هو الذي كان راجعا إلى منافعهم ، فأما الذي كان عليهم فهم لم يؤمنوا به ولا تذكروا فيه ، وإذا كان تأويله ما ذكرنا ، فانتصاب القليل ؛ لانتزاع حرف الخافض ، وفي الحقيقة انتصابه
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : القول والكلام.
(٣) سقط في أ.