وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا خَساراً) ، أي : بوارا وهلاكا لذلك المتبوع ، فكانت تلك النعم التي ظنوا أنهم أكرموا بها بصنيعهم سببا لخسارهم.
ثم قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) كقوله : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا) [التوبة : ٨٥] ، ثم قد بينا تأويل شكايته إلى الله تعالى من قومه ، فهذه الآية وتلك الآيات في معنى تأويل الشكاية إلى الله تعالى ـ واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً).
قال بعضهم : إنهم كانوا يمكرون ما يمكرون بألسنتهم ؛ حيث كانوا يدعونهم إلى الكفر والصد عن سبيل الله ، فكنى بالمكر عما قالوه بألسنتهم ، فكان ذلك (مَكْراً كُبَّاراً) ، أي : قولا عظيما.
وجائز أن يكون على حقيقة المكر ، وهو أن رؤساءهم مكروا بأتباعهم حيث قالوا : إن هؤلاء لو كانوا أحق بالله تعالى منا ، لكانوا هم الذين يوسع عليهم ويضيق علينا ، فإذا وسع علينا وضيق عليهم ، ثبت أنا نحن الأولياء [والأصفياء](١) دون غيرنا ، وهذا منهم مكر عظيم ؛ لأنه يأخذ قلوب أولئك فيصدهم عن سبيل الله تعالى.
وجائز أن يكون مكرهم ما ذكر أنهم كانوا يأتون بأولادهم الصغار إلى نوح عليهالسلام ، ويقولون لهم : إياكم واتباع هذا فإنه ضال مضل ، فكان هذا مكرهم بصغارهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً ..). الآية.
هذه المقالة منهم كانت بعد أن انقادت لهم الأتباع ، واتبعتهم إلى ما دعوهم إليه من عبادة الأصنام ، فقالوا بعد ذلك : (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) أي : لا تذرن عبادتها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً).
هي أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها.
ثم يحتمل أن يكون الذي بعثهم على عبادة الأصنام ما ذكره أهل التفسير : أن قوم نوح ـ عليهالسلام ـ اتخذوا هذه الأصنام أول ما اتخذوها على صورة رجال عباد كانت هذه الأسماء أسماءهم ، فسموا الأصنام بأسماء العباد ؛ ليعتبروا بها ، ويجتهدوا في العبادة إذا نظروا إليها ، فلما مضى ذلك القرن الذين اتخذوها عبرة وخلفهم قرن بعدهم ، قال لهم الشيطان : إن الذين من قبلكم كانوا يعبدون هذه الأصنام ، فعبدوها.
__________________
(١) سقط في ب.